قال إسماعيل حلاوة، عضو القطب المغربي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، في تصريحه لجريدة “سفيركم” الالكترونية إن تناول مشروع قانون المالية لسنة 2026 يستلزم وضعه في سياقه العام والخاص على حد سواء، مشيرا إلى أن المشروع يمثل أداة مركزية لترجمة التوجهات الاستراتيجية للدولة إلى برامج عملية وموارد مالية ملموسة.
وأبرز حلاوة أن السياق العام يرتبط بالتحولات البنيوية التي يشهدها المغرب على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، خاصة الحاجة الملحة لتمويل الأوراش الاجتماعية الكبرى، وعلى رأسها تعميم الحماية الاجتماعية، وإصلاح منظومتي التعليم والصحة، وتعزيز العدالة المجالية لتحقيق مزيد من التماسك الاجتماعي.
وأضاف حلاوة أن السياق الخاص يتسم بتعقيدات الظرفية الراهنة داخليا وخارجيا، إذ تواجه الدولة ضغوطا متزايدة على مستوى النفقات الاجتماعية والاستثمارية، في مقابل ضرورة الحفاظ على توازن المالية العمومية، علاوة على تحديات دولية وإقليمية تتعلق بتقلب أسعار الطاقة والمواد الأولية، وضمان مرونة الاقتصاد الوطني في مواجهة الأزمات.
وشدد المتحدث ذاته، على أن تحقيق توازن حقيقي بين العدالة الاجتماعية وضغوط التوازنات الماكرو اقتصادية يفرض على الدولة تبني رؤية شمولية تتجاوز التدابير الظرفية نحو بناء أسس مالية وهيكلية أكثر صلابة، مؤكدا أن الحكومة مطالبة بمواصلة الاستثمار في البرامج الاجتماعية الكبرى دون الإخلال بالانضباط المالي.
وأشار حلاوة ، إلى أن ربط الالتزامات الاجتماعية بإصلاحات جبائية وآليات مبتكرة للتعبئة المالية يشكل المدخل الأساسي لضمان استدامتها، مضيفا أن ذلك يشمل توسيع القاعدة الجبائية بشكل عادل وربط النفقات بالنتائج لضمان كفاءة أعلى للإنفاق العمومي.
وأفاد المتحدث ذاته، بأن مشروع قانون المالية لسنة 2026 يحمل ملامح مزدوجة، فهو من جهة يعكس إرادة الدولة في حماية الفئات الهشة وتحسين القدرة الشرائية، ومن جهة أخرى يخضع لآليات تقنية صارمة تتعلق بالانضباط المالي وترشيد النفقات وتحقيق التوازنات الاقتصادية الكبرى.
وأكد حلاوة أن ورش الحماية الاجتماعية يشكل تحولا بنيويا غير مسبوق في علاقة الدولة بالمجتمع، وهو خيار استراتيجي يهدف إلى إعادة هيكلة المنظومة لتشمل جميع المواطنين، مشيرا إلى أن توسيع نطاق البرامج الاجتماعية رهين بتوفير موارد مالية مستدامة وإصلاحات ضريبية فعالة.
وأوضح حلاوة أن التحديات الرئيسية التي تواجه المالية العمومية تتضمن عجز الميزانية، تصاعد المديونية، وتقلبات الأسعار العالمية للمواد الأولية والطاقة، إضافة إلى المخاطر المناخية التي باتت محددا هيكليا للمالية العمومية، وهو ما يتطلب مقاربة استباقية ومرنة للتخطيط المالي ، مشددا أن القيمة الحقيقية لقانون المالية 2026 ستقاس بقدرته على الجمع بين الاستجابة للضغوط الاجتماعية وبناء أسس صلبة لمستقبل المالية العمومية، من خلال تعزيز العدالة الضريبية، ترشيد النفقات، وربطها بالنتائج، بالإضافة إلى الدفع قدما برقمنة التدبير المالي لتعزيز الشفافية والفعالية.
ونوه حلاوة على أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 يرتكز على ثلاثة محاور استراتيجية، أولها تعزيز البعد الاجتماعي من خلال دعم الحماية الاجتماعية للفئات الهشة وضمان وصول المواطنين إلى الخدمات الأساسية، وثانيها تحصين التوازنات الاقتصادية عبر ضبط العجز المالي وتقليص المديونية، مع توجيه النفقات نحو استثمارات ذات عائد مرتفع، وثالثها تسريع الإصلاحات الهيكلية في مجالات الجباية والاستثمار العمومي ورقمنة المالية العامة لتعزيز الحكامة والشفافية.
وختم حلاوة تصريحه لـ”سفيركم” مؤكدا أن المشروع ليس مجرد أداة للتدبير الظرفي، بل يشكل أساسا لإعادة بناء العقد الاجتماعي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المغرب.