الساسي عن انتخابات 2026: الأحزاب أمام تحدي استعادة الثقة والعزوف رسالة احتجاج

marocain
7 Min Read

قال أستاذ العلوم السياسية محمد الساسي، إن الانتخابات التشريعية المقبلة في سنة 2026 هي أكثر من مجرد محطة انتخابية عادية، فهي تتزامن مع استعدادات المغرب لتنظيم كأس العالم، وبالتالي فإن هذا الحدث سيكون رهانا بأبعاد سياسية بقدر ما هو حدث رباضي، حيث سيدفع الحكومات القادمة للتسابق من أجل توصيف نفسها بأنها حكومة المونديال.

واعتبر الساسي الذي كان يتحدث اليوم الاثنين في لقاء بمؤسسة عبد الرحيم بوعبيد في سلا، الأن انتخابات 2026 ستكون اختبارا مزدوجا، فمن جهة، اختبارا لقدرة الدولة على الحفاظ على مسار “الاستقرار السياسي” وسط التحولات الإقليمية والدولية، ومن جهة أخرى، امتحانا لمدى قدرة الأحزاب على استعادة الثقة الشعبية، بعد موجات العزوف والتذمر التي تعمق المسافة بين السياسة والمجتمع.

وقدم الساسي خلال  اللقاء الذي حمل  عنوان “الانتخابات القادمة: أية جدوى؟” مقارنة بين عهدين سياسيين مختلفين، قائلا: “في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، كانت الانتخابات لحظة مزعجة للسلطة لأنها تفتح الأبواب للنقاش والجدل، أما مع الملك محمد السادس، فقد دخلنا مرحلة الضغط الانتخابي، حيث تُدار العملية بانضباط محكم وبوسائل أكثر هدوءا، لكنها تظل خاضعة للتوجيه”، مضيفا أن الضبط الإعلامي أحد أبرز مظاهر التحكم الحديثة، إذ أن الخطاب المعارض لا يجد دائمًا المنابر الكافية لإيصال صوته، في ظل تركّز الاهتمام على رواية رسمية واحدة”.

وحلل الساسي العملية الانتخابية بوصفها “نسقا من الضوابط المتشابكة”، تعددت وجوهه بين الإداري والمالي والسياسي، ويمكن تلخيصها في سبع آليات رئيسية: ضبط الترشيحات عبر انتقاء مسبق للمرشحين في المدن الكبرى، استبعاد بعض الأصوات في القرى، واللعب بورقة المستقلين لتفتيت الكتلة الانتخابية في بعض الدوائر الحساسة، الضبط المالي الذي لا يزال قائما من خلال الدعم “تحت الطاولة”، ضبط اللوائح عبر آليات التسجيل والمراقبة الإدارية، ضبط الدعاية بمنح مساحات متفاوتة بين الأحزاب، وضبط المراقبين والبطائق كأدوات للتحكم الدقيق في سير الاقتراع.

ووصف الساسي الانتخابات المغربية بأنها تسير على “هامش الحماسة”، قائلا إن الإيجابي في التجربة هو تراجع العنف الانتخابي، لكن السلبي هو “البرود السياسي العام”، وأضاف: “الانتخابات في السابق كانت قد فقدت طابعها النضالي، إذ يجب أن نقنع المناضلين قبل أن نقنع الناخبين”.

وتوقف الساسي عند التحولات التي عرفها المشهد الحزبي، موضحا أن المغرب “انتقل من مرحلة الحزب الأغلبي إلى مرحلة الأغلبية الحكومية المطلقة”، حيث أصبحت “التنافسية تدور داخل نفس مكونات السلطة بدل أن تكون بين السلطة والمعارضة”، وأشار إلى أن الأحزاب الجديدة “لم تترك أي بصمة حقيقية على الساحة الانتخابية، باستثناء بعض التشكيلات الإدارية ذات الدعم غير المعلن”.

وانتقد المتحدث نفسه بشدة تضخم المال الانتخابي، قائلا إن “المال يُوزع اليوم بطرق أكثر احترافية لكنها أكثر غموضًا”، مضيفا أن “الأرقام التي تُصرف في بعض الدوائر تثير الريبة، وقد تكون لها علاقة بالمخدرات أو شبكات الفساد الاقتصادي”. مؤكدا أن “الانتخابات تحولت إلى موسم تشغيل مؤقت، يوظف فيه الآلاف من المساعدين المأجورين في الحملات”.

وفي تشخيصه لبنية المرشح المغربي المعاصر، قال الساسي إن “السمو الأساسي في المرشح اليوم هو الملاءة المالية؛ فالذي يملك المال هو الذي يملك الحظوظ”، وأضاف أن “المرشح صار محاطا بشبكات غير مرئية، من وسطاء ومستشارين جماعيين ومقاولين محليين، يتحكمون في الأصوات وفي نتائج الدوائر”.

وتناول الساسي أيضا تحول الدين من مرجعية رمزية إلى وسيلة انتخابية، موضحا أنه “لم يعد جزءا من الخطاب السياسي فحسب، بل أصبح يُستعمل في الحملات الانتخابية بشكل مباشر، حتى أن بعض المترشحين باتوا يعتبرون المشاركة في الانتخابات نوعا من العبادة”، محذرا من “اختلاط التدين بالسياسية” لأن “هذا التوظيف يهدد نقاء العملية الديمقراطية”.

وفي قراءته لظاهرة العزوف الشعبي، يرى الساسي أن العزوف عن المشاركة لا يُختزل في اللامبالاة، بل هو “حكم رمزي على اللعبة وعلى اللاعبين معا”، وقال: “العزوف رسالة احتجاج ناعمة ضد شكل العملية الانتخابية، وضد من يديرها من فوق.

ويرى الساسي أن الانتخابات المغربية المقبلة لن تفهم بمعزل عن ما يحدث في العالم الخارجي، إذ أشار إلى “تحولات كبرى من غزة إلى أمريكا وفرنسا وإسرائيل”، معتبرا أن هذه الأحداث تخلق ضغطا دبلوماسيا وسياسيا على المغرب، وأوضح أن السياسة الخارجية لا تؤثر فقط على العلاقات الدولية، بل تشكل أيضا أداة ضغط داخلية، حيث تُوظف الحكومة والفاعلون السياسيون هذه الملفات لإعادة توجيه النقاش العام أو لتثبيت مواقعهم أمام الناخبين، خاصة في ظل رهان المونديال الذي سيجذب أنظار العالم إلى المغرب.

من جهة أخرى، أوضح الساسي أن المشهد الداخلي وصل إلى “مستوى من التوتر وتبادل الشتائم لم يُعرف من قبل”، في إشارة إلى الاحتقان السياسي بين الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، بما في ذلك الأغلبية والمعارضة على حد سواء، وأكد أن هذا التوتر يعكس تغير أساليب المناورة السياسية، حيث أصبح الصراع السياسي أكثر حدة وعلنية، مع تصاعد استخدام الوسائل الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر الرسائل الانتخابية والنقدية، ما يجعل المشهد أكثر إرباكا للناخبين وللقوى التقليدية.

وأضاف الساسي أن وزارة الداخلية ستستعيد جزءا من هيمنتها على العملية الانتخابية، من خلال تركيز جهودها على ثلاث دوائر مركزية لمراقبة المسار الانتخابي العا،. وأوضح أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى التحكم في تنظيم العملية، ضبط اللوائح، مراقبة التمويل والحملات، وضمان عدم انحراف النتائج عن التوقعات الرسمية، ما يعكس الدور التقليدي للمؤسسات الإدارية في التدخل المباشر لضبط اللعبة الانتخابية، ومن خلال هذه الإجراءات، تتضح محاولة الوزارة الحفاظ على الاستقرار السياسي وسط التوتر الداخلي والضغوط الدولية المتزايدة.

ولم يخف الساسي اهتمامه بمطالب مجموعة “جيل زيد” من جيل Z، موضحا أن “هذا الجيل لا يمكن التنبؤ بسلوكه، وقد ينقل حراكه الرقمي والميداني إلى الحقل الانتخابي، بل وقد يؤسس أحزابا خاصة به مستقبلاً”، وأشار إلى أن “الشباب اليوم يعبر عن وعيه السياسي خارج القنوات الرسمية، في الملاعب، وحملات المقاطعة، والفضاءات الاجتماعية”.

واختتم الساسي مداخلته بأن ضعف الحماسة الشعبية والسياسية يمثل تحديا حقيقيا، لكنه لا يبرر الانسحاب،  وأضاف: “نعم، الحماسة تراجعت، لكن الانسحاب من العملية الانتخابية سيترك المجال فارغا أمام المال والنفوذ”، مؤكدا أن المشاركة، حتى الرمزية منها، تلعب دورا في الحد من التجاوزات الانتخابية، وفي منع سيطرة مصالح ضيقة على المشهد السياسي، وهذا يُبرز وفق تعبيره، أهمية إدراك المواطنين لدورهم كحماة للشرعية الديمقراطية، وليس فقط كمراقبين سلبيين.

Share This Article