عقد المكتب المركزي للكونفدرالية العامة للشغل (CGT) اجتماعه العادي يوم 10 شتنبر 2025 بالرباط، حيث خُصص لمناقشة الوضع العام في البلاد والمصادقة على الدخول الاجتماعي الجديد، وأكدت الكونفدرالية أن الطبقة العاملة تبقى “الأكثر تضرراً” من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، مشددة على أهمية تقييم السياسة العامة بما ينسجم مع تطلعات المواطنين ويعزز العدالة الاجتماعية.
وفي بيان توصل به “سفيركم”، انتقدت الكونفدرالية الحكومة لغياب مشروع واضح لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، معتبرة أن السياسات الحالية تسير وفق توصيات صندوق النقد الدولي على حساب الوظيفة العمومية والخدمات الأساسية، خاصة التعليم، داعية المنظمة النقابية إلى البحث عن بدائل لإدارة الشأن العام، تقوم على حماية الحقوق الأساسية، وتكريس الديمقراطية.
في هذا السياق، قال عبد العالي اكميرة، النائب الأول للكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إن الفضاء العام، يؤكد مما لا يدع مجالا للشك، أننا نعيش “مرحلة الجزر على مستوى حقوق الانسان”، حيث يتم “التضييق” على الحريات العامة الفردية والجماعية، ونهج سياسة تكميم الأفواه التي أصبحت السمة التي تطبع المرحلة، ولعل ما يؤكد هذا الطرح هو أن الاعتقال والمتابعات القضائية في حق معتقلي الحركات الاحتجاجية الاجتماعية، والصحفيين والمدونين، والأساتذة المتعاقدين، المحامين، والأطباء وغيرهم،كواقع مازال حاضرا وبثقله.
وأضاف اكميرة، في حديثه مع “سفيركم”، “وحتى نكون منصفين في تحليل هذا الواقع”، فالمسؤولية جماعية، أحزاب سياسية، ومنظمات نقابية، ومجتمع مدني، يجب على الجميع أن يتحمل المسؤولية كاملة، ولعل المدخل الأساسي للتصدي لهذا التغول والهيمنة، هو التكتل من أجل جبهة اجتماعية لمواجهة هذا النزيف، ضد سياسة فئوية، تعمل على الحفاظ على امتيازات المحظوظين والمقربين من السلطة، وتمعن في قمع كل صوت خارج الأصوات التي تطبل للسياسة الرسمية.
وفي الاتجاه ذاته، أكد عبد العالي اكميرة أن الكونفدرالية العامة للشغل CGT، كمركزية نقابية، فإن مهمتها هو تأطير الطبقة العاملة وعموم الجماهير الشعبية، عبر كل الأشكال القانونية والمشروعة من أجل الدفاع عن الحقوق وتحقيق المكتسبات، وكذا التوسع التنظيمي، والنضال من أجل الضغط أكثر، كما أنها تؤمن بحوار اجتماعي حقيقي باعتباره آلية حضارية لتحقيق السلم الاجتماعي، وحين يتم تعطيل هذه الآلية، تضطر إلى اللجوء إلى الأشكال الاحتجاجية المتعارف عليها كونيا من أجل طرح قضاياها العادلة، والالتزام بهذا الحق كشكل من أشكال فرض دولة الحق والقانون، وكفضاء يضمن للجميع إمكانية التعبير والتنظيم.
سياسة تحت رحمة “التبعية”
غير بعيد عن ذلك، لفت النائب الأول إلى ضرورة الإقرار بأن الدولة تعتمد سياسة تبعية وخاضعة للنظام الرأسمالي، وهو بطبيعة الحال ما يفرض عليها تبني وتطبيق توصيات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، كما أن الحكومات المتعاقبة ومنذ حقبة زمنية طويلة، “لا تجسد مشاريع أحزابها السياسية، بل تطبق رؤية الدولة الرسمية”، أي السياسة العامة للنظام في كل المجالات، وأن الحكومات بمختلف أشكالها وتلاوينها فاقدة لسلطة القرار، وأن الأحزاب السياسية المكونة لها “لا هم لها سوى عدد المقاعد المحصل عليها والاستفادة من الامتيازات”، وبالتالي، “فسياستها تزيد في تعميق الأزمة، خارج الخطاب الرسمي الذي يسوق لأطروحة التقدم والتنمية”، مما يعني انعدام أي إرادة سياسية حقيقية في تغيير الوضع، باعتبار أن المدخل الأساسي للتغيير هو مدى استفادة الشعب المغربي من مواطنة حقيقية، وهل المواطن يستفيد من ثروة وطنه، مما يطرح سؤال إعادة توزيع الثروة الوطنية.
البطالة كخـيار سياسي
وتعليقا على استمرار أزمة البطالة رغم الخطط الرسمية، ذكر المتحدث نفسه بأن مشكل البطالة هو إشكال عالمي مرتبط بسياسة الرأسمال وهيمنته وطرق جنيه للأرباح، “فالمغرب ليس دولة متقدمة، بل دولة تعيش التبعية في كل المجالات، لذا، فإن الجواب على البطالة يكمن في قدرتنا على تأهيل الاقتصاد الوطني من أجل جعله قادرا على المنافسة، وبالتالي إيلاء الأهمية الكبرى للتشغيل، مع ضرورة ربط السياسة التعليمية بالاقتصاد والتنمية”، وبناء على ما سبق، يضيف اكميرة، فإن المشكل الحقيقي يكمن في الخيارات السياسية وليس في آليات التنفيذ، وأن أي سياسة لا يحضر في صلبها الاهتمام بالإنسان فهي سياسة “فاشلة”.
وفيما يخص ملف الدولة الاجتماعية، أوضح اكميرة أن هذا التصور يعني حضور الدولة في كل القطاعات الاجتماعية الحساسة: التعليم، والصحة، والشغل، والسكن، ومن واجب الدولة أن ترعى وتدبر هذه القطاعات ضمن رؤية شمولية، بهدف تحقيق الاقلاع الاقتصادي المنشود وذلك لضمان حد أدنى للعيش الكريم، وصيانة كرامة المواطنين، إلا أنه، “ومع الأسف، ما نعيشه اليوم، هو استقالة وتهرب الدولة من تدبير هذه المجالات وتفويتها للقطاع الخاص”، مستحضرا ملف الحماية الاجتماعية بكل تفرعاته والذي تريد الدولة “تسويق صورة مغلوطة على نتائجه”.
ومن جانب آخر، أكد عبد العالي اكميرة أن واقع الحال يبين نقيض ما يتم تسويقه من طرف الحكومة وأغلبيتها “المغشوشة”، فعلى سبيل المثال لا الحصر: واقع قطاع التعليم وأزمته المستمرة والمتواصلة، فزيارة بسيطة للمدارس العمومية تبين حجم الخصاص والإخفاق، الاكتظاظ كواقع يومي، وحالات الهدر المدرسي، والنقص الواضح في التجهيزات والتلف والهشاشة اللذان تعرفهما البنايات.
قطاع الصحة وواقع المستشفيات، طوابير من المواطنين، يصف اكميرة، تعاني في صمت وغياب العلاجات والتدخل الطبي لانقاذ حياة المواطنين من الموت المحدق بهم في كل لحظة، في ظل غياب شروط ممارسة سليمة لأسرة الصحة، يصاحب كل هذا النقص في العنصر البشري والتجهيزات والمعدات الطبية، ناهيك على الرغم من إمكانية التوفر على بطاقة التأمين الطبي الإجباري (AMO) لا يضمن لك الحق في التطبيب والتتبع.
ومقابل ذلك، أكد اكميرة أن مواجهة هذه السياسة لا يمكن أن تتم إلا من خلال نضالات الجماهير الشعبية وكل القوى الحية المؤمنة بالديمقراطية ودولة الحق والقانون، لذا، فالمدخل الأساسي في اعتقادنا هو كيفية إرجاع الثقة للمواطنين في الفعل السياسي باعتباره فعل تغيير يهدف من جهة إلى تحقيق الصراع، وكذا إلى تحسين أوضاع الجماهير من أجل غد أفضل، والقطع مع سياسة الريع ومعاقبة مرتكبيها من جهة أخرى.
ديمقراطية على المحك
وردا على من يعتبر هذه السياسات نوعاً من “تكميم الأفواه” للنقابات والمجتمع المدني، قال المتحدث نفسه
إنه يجب الإقرار أننا “لا نعيش في دولة ديمقراطية”، وأن الانتخابات كآلية ديمقراطية وبالشكل الذي تنظم به في الدول المتقدمة، لا نعيشها نحن، لأنه بكل بساطة الخريطة الانتخابية “تتم صناعتها في بلادنا، والبرلمان بغرفتيه لا يعكس الديمقراطية، ولا الارادة الشعبية”، ومن هذا المنطلق، يمكن أن نفهم أن الصراع في المجتمع هو بين تصورين: الأول، يمتهن السياسة من أجل الاستفادة خارج منطق تدبير الشأن العام، والثاني، يعتبر أن السياسة هي فعل تغيير من أجل مصلحة الشعب والبلاد، والكونفدرالية العامة للشغل (CGT)، تصطف مع التصور الثاني، وتحاول جاهدة العمل على توسعها التنظيمي، والانخراط في كل المعارك التي تهدف إلى تحسين وضعية المواطنين، وكذا تنظيم أو المساهمة في ندوات إشعاعية مع كل الفضاءات السياسية، النقابية والمدنية، والتي نتقاسم معها نفس التصور ونفس الاهتمام.
التقاعد.. إصلاح مثير للجدل
وفيما يخص إصلاح منظومة التقاعد ودمج الصناديق الذي يصفه البيان بأنه “يهدف لتقليص التعويضات”، قال اكميرة إن التقاعد، وما اصطلح على تسميته بمشروع “إصلاح أنظمة التقاعد”، والتي تريد الدولة من خلاله خلق قطبين: عمومي وخاص، “سبق أن عبرنا عن رفضنا لهذا الإصلاح، لأنه يريد طمس مرحلة من التلاعب بمساهمات المنخرطين دون مسائلة أو محاسبة، علما أن الدولة ولحد الآن لم تعمل على تسديد ما بذمتها من مستحقات”، ثم إن عمليات استفادة العسكريين كانت تتم دون مساهمتهم، كما أن المدخرات الموضوعة لدى صندوق الإيداع والتدبير (CDG) هي بنسب جد منخفضة مقارنة مع ما يتم التداول به في السوق المالي.
التقاعد .. ثالوت مشؤوم
وإجمالا، يضيف اكميرة، فإن هذا المشروع “المشؤوم” جاء ليساهم في تفقير المتقاعدين بإجراءات “لا شعبية ولا وطنية”، تتجلي أساس في الثالوث المشؤوم: الرفع من سن التقاعد، الرفع من نسبة الاقتطاعات وتخفيض نسبة الاحتساب واعتماد معدل الأجر منذ بداية التوظيف إلى نهايته، عوض آخر أجر كما كان معمول به، وعلى المستوى الثاني، يتعلق بالجمع بين التعاضدية العامة لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS)، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، وذلك بهدف تقليص الاستفادة، لأن التعويض الممنوح من طرف (CNOPS) مرتفع مقارنة مع يقدمه (CNSS)، والكونفدرالية العامة للشغل كانت ولا زالت تطالب بإلحاق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) بالتعاضدية العامة لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS) وليس العكس على مستوى التعويضات.