مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، تبقى صناديق الاقتراع في انتظار أصوات غابت عن المشاركة في دورات سابقة، ليُطرح مجددا نقاش العزوف الانتخابي بين من يعتبره مؤشرا بنيويا متجذرا في أزمة الثقة وتراجع أدوار الوساطة الحزبية، حيث يتحول الامتناع عن التصويت إلى احتجاج صامت يعكس خللا في تمثيل المواطنين، وبين من يرى فيه موقفا ظرفيا مرتبطا بضعف الحملات أو غياب تنافسية البرامج، معتبرا أن المشاركة يمكن أن تنتعش متى توفرت شروط سياسية أكثر جاذبية وإقناعا.
عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، أوضح في تصريح لـ”سفيركم” أن العزوف الانتخابي يتخذ أشكالا متعددة، فقد يكون مجرد امتناع عن التصويت أو مقاطعة شاملة للعملية الانتخابية، وفي كل الحالات يظل موقفا سياسيا، قد يرتبط بقناعات إيديولوجية تجاه النظام ككل، أو بعدم الاقتناع بجدوائية الانتخابات والعروض السياسية المطروحة، وبالتالي فالمقاطعين ليسوا كتلة واحدة، بل يعبرون عن مواقف متباينة.
وأضاف اليونسي أن سؤال التغيير المطروح على المشاركين هو نفسه الذي يطرحه العازفون: ما الذي سيتغير؟ لكن مع اختلاف دوافع العزوف، أما بخصوص أثره على فعالية النظام السياسي، فقد شدد على أن الشرعية العقلانية للنظام مرتبطة أساسا بنسبة المشاركة، إذ أن ضعفها ينعكس على شرعية القرارات السياسية ومستقبلها، واعتبر أن ما تراكم على مستوى الممارسة السياسية هو ما أفرز هذا الوضع، مما يجعل الدولة حريصة اليوم على رفع نسب المشاركة بعد أن أضعفت التجارب الأخيرة مقومات التنافسية الانتخابية.
من جهته، يرى رشيد لزرق، رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، أن العزوف في المغرب يتجاوز أعطاب التسجيل والتصويت، فهو رسالة سياسية بالأساس، فالنسب المتدنية للمشاركة تعكس فقدان الثقة في الأحزاب والمؤسسات، بل وإحساسا بغياب جدوى التصويت.
وأكد لزرق، في تصريحه لـ”سفيركم”، أن المواطن العازف يوجّه للنظام السياسي رسالة مفادها أن العرض غير مقنع، وأن أدوات الوساطة التقليدية لم تعد كافية لإشراكه، فالعزوف، وفق تعبيره، مؤشر على أزمة الوساطة الحزبية وضعف قدرة النخب على التعبير عن تطلعات المواطنين.
كما أشار إلى أن المقاطعين يشكلون كتلة صامتة لكنها مؤثرة، وقد يفوق وزنها أحيانا حجم المصوتين في بعض الدوائر، وتجاهلهم، برأيه، قد يفتح الباب أمام أشكال احتجاجية غير مؤطرة، لذلك، فإن استيعاب مطالبهم يقتضي فتح قنوات تواصل جديدة، لا عبر الأحزاب فقط، بل كذلك عبر المجتمع المدني، النقابات والفضاءات الرقمية، مؤكدا أن هذه الفئة يجب التعامل معها باعتبارها رأيا عاما يحتاج إلى تمثيل لا مجرد أرقام في نسب المشاركة.
أما عن سبل استعادة الثقة في العملية الانتخابية، فأوضح لزرق أن الأمر يتطلب إجراءات عملية تبدأ بإصلاح العرض الحزبي عبر تجديد النخب، وربط المسؤولية بالمحاسبة وإنهاء منطق الريع السياسي، كما شدد على ضرورة تعزيز الشفافية ونشر المعطيات الانتخابية وضمان النزاهة في مختلف مراحل الاقتراع، وربط التصويت بالنتائج لإقناع المواطن بأن صوته يترجم فعلا في السياسات العمومية، ولا يكتمل هذا المسار، حسب قوله، إلا بإدماج مطالب الفئات المقاطعة في النقاش العمومي، إلى جانب ترسيخ تربية مدنية متواصلة تُغرس قيم المشاركة والاختيار الحر داخل المدرسة والإعلام والمجتمع.