انتخابات 2026.. هل ينجح سوق المال و”الكائنات الانتخابية” في هزم حلم النزاهة والشفافية؟

marocain
10 Min Read

مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، يتجدد النقاش في المغرب حول قدرة الدولة والأحزاب على توفير شروط منافسة متكافئة، بعيدا عن هيمنة المال السياسي وإعادة إنتاج نفس النخب، وفي خطوة وُصفت بالمهمة، تستعد الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة للانخراط لأول مرة في مراقبة العملية الانتخابية، انسجاما مع صلاحياتها الدستورية في تخليق الحياة السياسية وضمان الشفافية، وهو ما اعتبرته أصوات سياسية ومدنية مدخلا أساسيا لتعزيز الثقة في المؤسسات واسترجاع المصداقية للعملية الانتخابية.

إلا أنه، ورغم الإصلاحات التشريعية التي رافقت الاستحقاقات السابقة، ما تزال تُثار شكاوى متكررة حول تغوّل المال الانتخابي، حيث يُتهم بعض المرشحين باستعماله كوسيلة رئيسية لحسم النتائج، في تقويض واضح لمبدأ تكافؤ الفرص وإضعاف ثقة المواطن في جدوى العملية الانتخابية، فهل تكفي مراقبة الهيئة الوطنية لضمان نزاهة انتخابات 2026، أم أن الظاهرة أعمق من أن تُعالج بآليات تقنية فقط؟

الهيئة الوطنية تدخل على خط مراقبة الانتخابات.. دلالات دستورية وسياسية

الأستاذ الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية الحقوق بوجدة، عثمان الزياني، قال إن إعلان الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها لأول مرة عن انخراطها في مراقبة نزاهة الانتخابات يحمل في طياته دلالات سياسية ودستورية متعددة يمكن قراءتها على مستويات مختلفة.

على المستوى السياسي، أكد الزياني، في حديثه مع “سفيركم”، أن هذه الخطوة يمكن أن تعزز من صرح إعادة هيكلة الفاعلين في مراقبة العملية الانتخابية، حيث لن تظل عملية الإشراف على نزاهة العملية الانتخابية مرتبطة بوزارة الداخلية، المحكمة الدستورية، والهيئات الحقوقية والمدنية، مع استحضار حدود اختصاص كل طرف في هذه العملية وحجم تدخلاته، إذ مع الانخراط الفعلي لهذه الهيئة الوطنية سينضاف فاعل مؤسسي جديد يمارس اختصاصا فريدا مرتبطا بالوقاية من الفساد ومحاربة الرشوة.

وهو إجراء يحمل، وفق الزياني، رسالة مباشرة لمختلف الفاعلين السياسيين، محورها يقع في صميم أن الهيئة تضع الأحزاب والمرشحين أمام مسؤوليات وتحديات انتخابية مضاعفة، وذلك بحجم الضغط الذي يمكن أن تمارسه بخصوص رصد وتتبع مختلف عمليات استعمال المال أو شراء الأصوات، في سياق عمليات الفعل الانتخابي التي ستكون حتما تحت منظار التوثيق الرسمي للهيئة.

وفي الجانب الدستوري والمؤسساتي، أبرز المتحدث نفسه أنه يمكن اعتبار استقلالية الهيئة عن الحكومة من جهة، والبرلمان من جهة ثانية، كضمانة دستورية إضافية قادرة على المساهمة في تمكين العملية الانتخابية من مقومات وشروط النزاهة، والمساهمة في تكريس قيم المشاركة المواطنة، كما تعتبر فرصة مناسبة للتفكير مليا في إحداث نقلة نوعية فيما يخص اختصاصات هذه الهيئة، وذلك عبر التفكير في توسيعها بشكل عملي، انسجاما مع المقتضى الدستوري الذي يؤكد على تجريم الفساد وربط محاربة الرشوة بإحداث هيئات مستقلة، ولعل الهيئة الوطنية هي تجسيد لذلك.

كما يمكن أن يفضي انخراطها في الانتخابات، يضيف الزياني، إلى التوسيع من مجال عملها في مكافحة الفساد الإداري والمالي خصوصا في المجال السياسي الانتخابي، وأيضا في خضم هذا المعطى المستجد يمكن التأكيد على مساهمتها في نزاهة العملية الانتخابية التي تعد بمثابة جوهر مشروعية التمثيل الديمقراطي، وإشراك الهيئة يمكن أن يترجم هذا المبدأ من خلال إدخال عنصر رقابي جديد خارج الجهاز التقليدي للداخلية.

حدود صلاحيات الهيئة.. توصيات أم تدخل فعلي؟

وعن مدى قدرة الهيئة على التدخل عند رصد حالات شراء الأصوات أو استعمال المال، بين من يعتبرها مجرد جهاز توصية وتقارير، ومن يراها أداة رقابية وقائية ذات تأثير، قال الزياني إنه لا شك أن الهيئة تستمد صلاحياتها من دستور 2011 حيث تعتبر كهيئة مستقلة وظيفتها الأساسية مكافحة الفساد والنزاهة ومحاربة الرشوة، وحتى القانون المتعلق بالهيئة الصادر سنة 2021، وهو الذي حدد اختصاصاتها وصلاحياتها العملية، وهي طبعا تنحصر في التتبع، التقييم، والتوصية، وليس سلطات زجرية أو قضائية مباشرة، ودورها سينحصر في التوثيق والتقرير، حيث يمكن للهيئة أن تقوم بجمع المعطيات، ورصد الممارسات غير المشروعة، وتوثيق مجمل الخروقات التي لها علاقة باستعمال المال والفساد، مع امكانية رفع تقارير وتوصيات للجهات المختصة القضاء، البرلمان، الحكومة.

ثقة الناخبين.. هل تنجح الهيئة في ترميمها؟

في هذا السياق، اعتبر عثمان الزياني أن الوضعية “المختلة والمعتلة” التي تعيش على إيقاعها الانتخابات في المغرب، خصوصا على مستوى تجلي ضعف المشاركة الانتخابية وانتشار مظاهر الفساد الانتخابي، يستوجب قانونيا واجرائيا وعمليا تشديد وتعزيز شبكة من آليات وأدوات الرقابة والتبع والرصد والمراقبة، و”لعل في انخراط الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في مراقبة نزاهة الانتخابات يمكن أن يحوز على مكانة رمزية مضافة إلى هذا الصرح المؤسساتي القائم، إذ يضيف عنصرا مؤسسيا مستقلا إلى منظومة الإشراف على الاستحقاقات الانتخابية”.

شراء الأصوات.. خلل بنيوي أم مخالفات فردية؟

الحبيب استاتي زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أفاد في تصريح لـ”سفيركم”، أن المادة 102 من مدونة الانتخابات نصت على أن: “يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم كل شخص قام خلال الحملة الانتخابية بتقديم هدايا أو تبرعات أو وعود بها أو بهبات إدارية إما لجماعة محلية وإما لمجموعة من المواطنين أيا كانت بقصد التأثير في تصويت هيئة من الناخبين أو بعض منهم.

هذه المادة توضح، وفق استاتي زين الدين، أن المشرع المغربي يتعامل مع شراء الأصوات باعتباره جريمة تمس جوهر العملية الانتخابية وتستوجب عقوبات صارمة، غير أن التحليل الأكاديمي يتجاوز الجانب الزجري ليطرح سؤالا أعمق: هل هذه الممارسة مجرد مخالفات فردية، أم أنها تعكس خللا بنيويا في العلاقة بين المواطن والدولة؟

السوق السوداء للانتخابات.. واقع أم تهويل؟

وردا منه على بعض الأصوات التي تتحدث عن “سوق انتخابية سوداء” يتحكم فيها المال ويقوض المنافسة، أبرز استاتي زين الدين أن هذا الحديث يفترض وجود معطيات علمية أو تقارير رسمية تسند هذا التوصيف، وهو أمر غير يسير في غياب دراسات دقيقة وموثوقة، لكن ما يمكن قوله بحذر هو أن هناك ملاحظات متكررة على وجود ممارسات غير سليمة خلال بعض المحطات الانتخابية، وقد سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقاريره عددا من هذه الاختلالات، كما أشارت بعض بعثات المراقبة الدولية إلى رصد حالات استعمال وسائل غير مشروعة للتأثير على الناخبين، لكن تعميم هذه الملاحظات في صورة سوق منظمة يظل استنتاجا غير مدعوم كفاية بالمعطيات.

وفي إطار الحق في الحصول على المعلومة، قال استاتي زين الدين إنه يتعين متابعة عدد الحالات المرفوعة أمام القضاء، ورصد القرارات الصادرة بشأنها وربطها بالأحزاب المعنية ونشرها، وذلك من شأنه أن يساهم في محاصرة الظاهرة، بل ومحاصرة الأحزاب التي تسكت عنها، أو لا تتخذ إجراءات حازمة ضد المتورطين فيها، وبهذا التوجه يصبح الأمر مرتبطا بمسار مؤسساتي قائم على التوثيق والتتبع أكثر من كونه مجرد توصيف إعلامي أو سياسي.

شراء الأصوات.. خدمة أم تهديد للدولة ؟

يرى مراقبون أن شراء الأصوات قد يُنظر إليه أحيانا كأداة تخدم الدولة لأنها تفرز نخبا ضعيفة يسهل التحكم فيها، ومع ذلك، يشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إلى أن هذا الطرح يحتاج إلى قدر كبير من الحذر، لأنه يفترض وجود نية سياسية ممنهجة لتشجيع هذه الممارسات، وهو ما يتعارض مع الخطاب الرسمي للدولة المغربية، فقد أكدت الخطب الملكية على أن تمثيل المواطنين في المؤسسات والهيئات أمانة تتطلب الصدق والمسؤولية، وأن السلطة الحديثة تقوم على ربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة الفساد بجميع أشكاله.

ومن هذا المنطلق، يظهر أن شراء الأصوات لا يمكن اعتباره أداة لخدمة الدولة، يوضح استاتي زين الدين، بل إنه ممارسة تضعف الثقة العامة وتنتج نخبا أقل فعالية، بما يتناقض مع مشروع الإصلاح الديمقراطي، وهنا تتضح مسؤولية الأحزاب في اختيار مرشحين يجسدون المصلحة الوطنية بصدق، مع ضرورة استبعاد كل من يثبت تورطه في الفساد أو شراء الأصوات، لضمان تعزيز نزاهة العملية الانتخابية وثقة المواطن في المؤسسات.

رهان الشرعية.. ماذا لو فشلت الهيئة؟

قال استاتي زين الدين إن رهان شرعية المؤسسات المنتخبة يقوم على ثقة المواطنين في أن العملية الانتخابية تعكس إرادتهم الحرة، وأكد أن فشل الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في مواجهة ظاهرة شراء الأصوات قد يؤدي إلى تراجع الثقة العامة، وتدني نسب المشاركة، وتعزيز صورة سلبية عن جدوى المؤسسات التمثيلية، ومع ذلك، قال إن هذا السيناريو ليس حتميا، إذ يمكن للمجتمع المدني ووسائل الإعلام والسلطة القضائية أن يسهموا في الحد من الظاهرة والمساهمة في حماية العملية الديمقراطية.

وأكد، في السياق ذاته، أن للهيئة الوطنية دور محوري في تتبع الممارسات الانتخابية غير السليمة وإصدار تقارير علنية بشأنها، ما يشكل أداة مهمة لردع المخالفين وتعزيز الشفافية، مبرزا أن الرهان الأكبر يظل على الأحزاب السياسية التي يقع على عاتقها اختيار مرشحين نزهاء يتحملون المسؤولية الوطنية بأمانة، وأن النجاح لن يقاس فقط بتطبيق القانون، بل بقدرة الأحزاب على تجديد نخبها وبوعي المواطنين أن أصواتهم أمانة وطنية يجب صونها، وقال إن مواجهة شراء الأصوات تصبح معركة جماعية تشمل الدولة والأحزاب والهيئات الرقابية والمجتمع المدني والناخبين على حد سواء، من أجل صون الشرعية الديمقراطية وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة.

Share This Article