كشف تقرير حديث أنه بعد أكثر من ستة عقود على الموقف التاريخي للملك الراحل الحسن الثاني في الأمم المتحدة، حين دافع بقوة عن حق الصين الشعبية في التمثيل الدولي، تعود بكين والرباط اليوم لنسج خيوط تحالف جديد يزاوج بين الإرث التاريخي والمصالح المستقبلية، التي تمتد من السياسة إلى الاقتصاد، مرورا بالقضايا السيادية، وعلى رأسها ملف الصحراء المغربية.
وأوضح هذا التقرير الذي نشره موقع “The Africa Report“، أن الزيارة التي أجراها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، إلى بكين في منتصف شتنبر 2025، كانت مناسبة لإطلاق حوار استراتيجي مع نظيره الصيني وانغ يي، ىحب فيه الجانبان بمراجعة الاتفاق الموقع سنة 1995 والمتعلق بالترويج والحماية المتبادلة للاستثمارات، مع التأكيد على تشجيع الاستثمارات الصينية في المغرب وإطلاق شراكات صناعية جديدة.
وكان هذا اللقاء فرصة كذلك لدعم التعاون الثلاثي لصالح إفريقيا، كما بحثا سبل تطوير التعاون في مجموعة من المجالات، منها: البنية التحتية، والصناعة، والطاقة، والرقمنة، ثم الابتكار، والطاقات المتجددة، إلى جانب السياحة، والتعليم العالي، بما يعكس رغبة البلدين في تعزيز شراكتهما الاقتصادية والاستراتيجية في جميع المستويات.
وذكر التقرير أن هذا التقارب ليس وليد اللحظة، بل وجد جذوره في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حين اتخذ المغرب بقيادة الملك الراحل الحسن الثاني، وهو ولي للعهد آنذاك، موقفا داعما لانضمام الصين الشعبية إلى الأمم المتحدة، حيث تساءل في خطابه أمام الجمعية العامة سنة 1960 “هل من العدل أن يُحرم 600 مليون نسمة، أي ثلث البشرية، من تمثيلهم داخل هذه المنظمة؟” في إشارة إلى استبعاد الصين الشعبية.
وواصل المصدر ذاته أن هذا الموقف جعل المغرب ثاني دولة عربية وإفريقية، بعد مصر، تعترف بجمهورية الصين الشعبية عام 1958، مبرزا أن بكين لم تنسَ أن الرباط كانت من أوائل المدافعين عن حقها في التمثيل الدولي، مذكّرا بزيارة رئيس الوزراء الصيني شو إن لاي إلى المغرب سنة 1965.
وأشار إلى أن البلدين يتقاسمان مبادئ مشتركة، وتتمثل في السيادة الوطنية، ووحدة الأراضي، ثم رفض كل أشكال الانفصال، مضيفا: “إذا كانت الصحراء المغربية قضية وجودية بالنسبة للرباط، فإن الصين تعتبر قضايا تايوان وهونغ كونغ وماكاو غير قابلة للتجزيء، موضحا أن هذا التشابه في الأولويات يمنح العلاقات زخما سياسيا يتجاوز التعاون الاقتصادي.
ولفت التقرير إلى أن الصين قفزت خلال عقد واحد من المرتبة 13 إلى المرتبة الثالثة كأكبر مستثمر في المغرب، بحجم تبادل تجاري يقترب من 10 مليارات دولار سنويا، كما تشمل الاستثمارات الجديدة، مصنع “الألومنيوم الأخضر” باستثمار قدره 3 مليارات دولار، ومشروع مشترك في الجرف الأصفر بـ2 مليار دولار لإنتاج مواد بطاريات الليثيوم.
وتشمل المشاريع المذكورة أيضا مشروع “غوشيون هاي-تيك” الضخم في القنيطرة، بميزانية 5.6 مليارات دولار، لبناء أول وأكبر مصنع للبطاريات الكهربائية في إفريقيا، بطاقة إنتاجية أولية تبلغ 20 جيغاواط للساعة سنة 2026، مع خطة للتوسع إلى 100 جيغاواط للساعة، ومشاريع للسكك الحديدية فائقة السرعة، تعزز مكانة المغرب في البنية التحتية الحديثة.
وتستهدف هذه المشاريع قطاعات مستقبلية، مثل الطاقات المتجددة، السيارات الكهربائية، الهيدروجين الأخضر، والتكنولوجيا الرقمية، وهو ما ينسجم مع رؤية المغرب للتحول إلى قطب صناعي إقليمي يخدم الأسواق الأوروبية والإفريقية وحتى الأمريكية.
وأبرز التقرير أن الفوسفاط يمثل ورقة استراتيجية في التعاون الثنائي، خاصة وأن الصين التي تعد أكبر منتج عالمي للفوسفاط، تواجه احتمال نفاد احتياطاتها في غضون أربعة عقود، بينما يملك المغرب أكبر احتياطي عالمي، ما يؤكد أهمية تعميق التعاون بين البلدين، في سياق دولي متوتر بسبب التغيرات المناخية وتقلبات الأسواق.
ويظل ملف الصحراء في صلب اهتمام المغرب في شراكته مع الصين، فرغم أنها تحافظ على ما يوصف بـ”الحياد الاستراتيجي” بين الرباط والجزائر، لكن لغتها الدبلوماسية بدأت تقترب تدريجيا من موقف المغرب، خصوصا عندما تتحدث عن “حلول واقعية ومعقولة”، وهي صياغة تلتقي مع مبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها المملكة.
وذكر التقرير أن الصين حافظت تاريخيا على ما يعرف بـ”الحياد الاستراتيجي” بين المغرب والجزائر، لكنها لم تصوت ضد الرباط في مجلس الأمن، وامتنعت عن دعوة ما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية” إلى قمة الصين-إفريقيا الأخيرة، مردفا أن لغة الصين الدبلوماسية بدأت تتغير، حيث أصبحت تتحدث عن “حلول واقعية ومعقولة”، وهي نفس العبارات التي تتقاطع مع مبادرة الحكم الذاتي المغربية.
ونقل التقرير عن خبراء استراتيجيون أن الصين، التي تفكر بمنطق العقود والقرون، ترى في المغرب شريكا مثاليا يتمتع بالاستقرار السياسي والموقع الجغرافي الاستراتيجي على أبواب أوروبا وإفريقيا والأطلسي، كما أن المغرب يشكل لبكين ضمانة لاستثمارات “الحزام والطريق” في شمال إفريقيا، ومنصة لتعزيز حضورها في فضاء الساحل وإفريقيا الغربية حيث يتراجع النفوذ الغربي.