بين وعد الإصلاح ومصير الانقسام.. هل ينجح اليسار في قلب المعادلة الانتخابية بالمغرب؟ (حوار)

marocain
10 Min Read

مع اقتراب استحقاقات 2026، يظل توحيد التيار اليساري لغزا سياسيا يثير التساؤلات: هل سينجح هذا التيار في تجاوز الانقسامات التاريخية واستعادة دوره كقوة اقتراحية فاعلة، أم ستظل رؤاه المشتركة حبيسة الورق.

ويرى متتبعون للمشهد السياسي في المغرب، أنه رغم الاتفاق الظاهر بين الحزب الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار الديمقراطي على التنمية الاجتماعية وتعزيز الديمقراطية، لم تتحول هذه المذكرات الإصلاحية إلى خطوات عملية ملموسة، ما يعكس التحديات العميقة التي تواجه الأحزاب اليسارية في تعزيز حضورها السياسي وإعادة بناء الثقة بين المواطنين، ويؤكد حاجتها الملحة لتبني استراتيجية مشتركة تتجاوز الحسابات الانتخابية الضيقة.

ولقراءة أبعاد هذا الطرح، حاور “سفيركم” الدكتور محمد عبدالوهاب العلالي، أستاذ التواصل السياسي ورئيس المركز الدولي للدراسات في الإعلام والتنمية الذي أكد أن توحيد قوى اليسار فرصة لتحقيق التوازن وضمان مسار ديمقراطي حقيقي.

نص الحوار كاملا:

هل يمكن أن تشكل نقاط التوافق أساسا لتعاون فعلي بين الحزب الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار الديمقراطي، ولماذا لم تتحول هذه الاتفاقات النظرية إلى خطوات عملية على أرض الواقع؟

-هذا سؤال توحي به مذكرتا الحزبين اللتان تعكسان قواسم مشتركة قوية، وأرضية شبه متوافق عليها تقوم على رؤية مشتركة لإصلاح شامل وعميق للمنظومة السياسية، لكن، من يراقب المشهد السياسي المغربي خاصة القطب اليساري، يسهل عليه إبراز بأن الإرث التاريخي من الانقسامات التي عرفتها أحزاب اليسار، في العقود الأخيرة، تشكل عقبة أمام استعادة الثقة لكيانات لم ترقى بعد إلى تكريس تطلعات مناضليها، وجزء كبير من المواطنين، واتفاقياتها النظرية على أرض الواقع.

وذلك أن الحساسيات التاريخية، وبعض مظاهر الشخصنة بين مكونات اليسار فيما يتعلق بالقيادة والزعامة، والظهور أمام وسائل الإعلام، مع مخاوف عميقة من ذوبان الهوية الحزبية الأصلية، لصالح الطرف الآخر، يعبر عن إرادة ضعيفة لدى القيادات، ولتحويل العناصر المشتركة و التوافقات إلى ممارسة قائمة على أرض الواقع، وهناك أسباب تتعلق بإعلان نوايا مشاريع الاندماج، لكن تبقى مجرد نوايا وبيانات عامة ومبدئية، تفتقد إلى خطة عملية ملموسة تدقق الجانب العملي للعمل السياسي الموحد إبان الفترات العادية للحياة السياسية، في الجماعات والمجالس الجهوية والبرلمان بغرفتيه، وفي المجتمع المدني، والنقابات، والحملات الإعلامية.

هذا إلى جانب بعض الحسابات البراݣماتية التي تعود إلى ثقافة العشيرة والقبيلة التي تتسلل إلى التنظيمات الحديثة، التي تجعل كل حزب يحاول الحفاظ على مناطق تأثيره على دوائر صغيرة، حتى أنه في بعض الحالات، يصطدم مع الشركاء في تنافس انتخابي مما يضعف ثقة الجمهور .

وإلى جانب ما سبق، هناك عوامل أخرى ترتبط بواقع النظام الإنتخابي الحالي، والتقسيم الانتخابي، وظاهرة العزوف، وهيمنة المال، وتجاوزات بعض أعوان السلطة، وفقدان ثقة ومصداقية الرأي العام، وضعف تواصل الأحزاب اليسارية مع أوساط الشباب والطبقات الوسطى كعوامل تكرس مظاهر الضعف.

ما دور الحسابات الانتخابية في تعطيل أي محاولة لتوحيد قوى اليسار؟

-تتفق مذكرتا الحزبين المذكورين على أن النظام الحالي يعاني من اختلالات جوهرية، كالفساد وتأثير المال والسلطة، وقد يؤدي إلى نتائج لا تنعكس إيجابا على الإرادة الشعبية، ذلك أن النظام الانتخابي الحالي يشكل عائقا أكبر من القوى الديمقراطية، بما فيها أحزاب اليسار في ظل مشاركة انتخابية ضعيفة، وهو ما تركز عليه مطالب الحزبين إلى جانب قوى سياسية أخرى يسارية، لضمان ضرورة إصلاح شمولي للنظام السياسي.

ويتعلق الأمر بإبراز نواقص البيئة الانتخابية التي تفسر وضع وفسيفساء الإحزاب السياسية المغربية، والحسابات الداخلية الانتخابية للحزبين، ووضعها ضمن إطار أوسع لقوى اليسار وباقي القوى المنافسة، ومن القوى الليبرالية القائمة في السلطة والحركة الإسلامية، وللأسف، الحسابات الانتخابية هي لصالح الحركة اليسارية لكن إستثمار هذه الشروط يبدو أنه يمر ببطء شديد أو حتى لا مبالاة البعض، فالإعتماد على نتائج انتخابات 2021 بيّٓن تراجع الحركة الإسلامية، وهو عامل لصالحهما، كما أن تواجد الأحزاب الحاكمة في السلطة وعدم التمكن من تحقيق كثير من الوعود والشعارات التي رفعتها خلال ما مضى من الولاية الانتخابية يوفرا مناخا مساعدا لتعزيز الأحزاب اليسارية.

ونستخلص من هذا أن توحيد صفوف الحزب الإشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار يعزز كتلة الأحزاب اليسارية الأساسية المتواجدة في البرلمان، مثل الإتحاد الإشتراكي وحزب التقدم والإشتراكية، كما يمكن أن يشكل قوة ضاغطة لتعزيز وزن القوى اليسارية وحتى مواقفها، لكن ماهو ملموس في مذكرتي الحزبين هو ربطهما للإصلاح السياسي بالإصلاح الانتخابي، وهو مطلب تتقاطع فيه مع قوى يسارية أخرى بتفاوتات نسبية، مع التركيز على أن عملية الإصلاح تقتضي القطع مع الفساد الانتخابي ومظاهر سلبية مختلفة تؤثر على نزاهة الانتخابات وشفافيتها، كإستعمال المال لشراء الأصوات وتدخل الادارة ، باعتبارها سلوكات تمس شرعية المؤسسات المنتخبة.

فالتأكيد على ضرورة حياد الإدارة العمومية وعدم تدخل أعوان السلطة، والتغلب على أزمة ضعف المشاركة السياسية، وإصلاح اللوائح الانتخابية، وضمان مشاركة أوسع للشباب ، وللجالية المغربية بالخارج، ورفض استعمال المال والسلطة، والتأثير على إرادة الناخبين كمظهر من مظاهر الفساد السياسي، وهنا يمكن التأكيد على أن النظام الحالي له تأثير على الحسابات الانتخابية الداخلية على الحزبين، لكن ليس هو العامل الوحيد المفسر لذلك، بل إن هناك عوامل أخرى، فالسياق السياسي الحالي يجعل أحزاب اليسار في وضعية الانحصار، لا يمكن تجاوزها سوى برؤية أشمل وأوسع لتوحيد صفوف قوى اليسار.

ولا تبرز المذكرتان اختلافات استراتيجيات جوهرية بين الحزبين، فهناك تقارب كبير في الرؤى، عبر الإتفاق على ضرورة إصلاح القوانين الانتخابية ضمن إصلاح شمولي للنظام السياسي، مع إبراز أهمية المطلب المتعلق بإحداث هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات وضمان نزاهتها، والقطع مع الفساد، وتأثير المال في العمليات الانتخابية، وإصلاح قوانين الأحزاب.

وهذا يعني أن المطالبة بتغييرات وإصلاحات حقيقية من شأنها أن تحقق انفراجا سياسيا واسعا، على نحو يضمن استعادة ثقة المواطنين في العملية السياسية وفي المؤسسات المنتخبة، الأمر الذي قد يتيح تعزيز حضور القوى اليسارية ودعم قدرتها على التأثير في الخريطة السياسية المغربية، فضلاً عن تمكينها من مواجهة الاستقطاب القائم بين التيار الليبرالي والحركة الإسلامية.

ما هو الرهان الأساسي الذي يقدمه توحيد اليسار المغربي على قوة الخطاب السياسي والاقتراحي؟

-الرهان الأول يتعلق بالتطلع إلى تطوير الديمقراطية المغربية، وإن كان تحقيق الإصلاح السياسي ودمقرطة المجتمع يرتبط بشكل أساسي بإعادة تشكيل صورة اليسار المغربي كقوة اقتراحية بديلة، قادرة على إعادة بناء الثقة والمصداقية بين أوساط الشباب المغربي والمصوتين من مختلف الفئات، خاصة الطبقات الوسطى.

وإعادة بناء هذه المصداقية يُفترض أن تتحول إلى قوة نموذجية تقدم المثال في النزاهة والديمقراطية والشفافية، مع بلورة مشروع حقيقي يتضمن حزمة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية القادرة على استعادة ثقة الرأي العام المغربي في أن اليسار يمكن أن يكون بديلا، خاصة في ظل تراجع قوة الحركة الإسلامية كما برز في انتخابات 2021، وفي مواجهة قوى الأغلبية الحاكمة التي تواجه رأيا عاما ساخطا بسبب عدم تحقيق كثير من الوعود الانتخابية السابقة.

وهذا التطلع ينطلق من رؤية لتحالف أوسع لا ينحصر في الحزب الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار الديمقراطي، بل يتجه نحو قيام حركة يسارية أشمل ذات هندسة تنظيمية مشتركة وفعالة، تركز على عناصر أساسية وتستند إلى تكتيك انتخابي قوي منفتح على الشباب، خصوصاً الفئات التي ترى في العزوف عن المشاركة الانتخابية شكلاً من أشكال الاحتجاج النقدي، ومن ثم فإن الرهان الأساسي يتجاوز مجرد التنسيق والعمل المشترك بين الحزبين، ليصل إلى طموح أوسع يتمثل في بناء يسار مغربي موحد وفاعل، قادر على صناعة التغيير، وتقديم وجوه وطاقات تتمتع بالكفاءة والمصداقية، وعلى إنتاج خطاب سياسي مقنع واقتراحات بديلة تلبي انتظارات المغاربة في المرحلة الراهنة.

هل ترى أن الانقسام الحالي سيؤثر على فرص اليسار في الاستحقاقات المقبلة؟

-هذا سيناريو وارد جدا إذا لم تتدارك أحزاب اليسار الوضع خلال الفترة المتبقية قبل الانتخابات، فقد برزت في الآونة الأخيرة فرص ثمينة لتعزيز قوى اليسار إلى جانب قوى أخرى، خاصة خلال فترة مناقشة ملتمس الرقابة على الحكومة، الذي كان من شأنه أن يغير كثيرا من المعطيات المرتبطة بالاستحقاقات المقبلة لسنة 2026، غير أن أسبابا، غير مقنعة في نظر كثيرين، حالت دون استثمار تلك اللحظة، ليظهر بوضوح أن الفجوة تتسع داخل بعض مكونات اليسار العاملة داخل المؤسسات، كما تتسع أيضا بين اليسار المعتدل واليسار الراديكالي بسبب التشدد في بعض المواقف أو البحث عن التمايز.

في جميع الأحوال، فإن مصلحة البلاد العليا تفترض قيام تحالفات كبرى يمكن أن يشكل القطب اليساري ضمنها عاملا مؤثرا في تطوير التجربة الديمقراطية المغربية، والرهان الأساسي هنا أن نقاط التوافق بين أطياف اليسار أكبر من نقاط الاختلاف، إذ نجد تقاطعات عديدة بينها في ما يخص تطوير المسار الديمقراطي، ومحاربة الفساد، وتعزيز الشفافية، حتى وإن تباينت سقوف المطالب السياسية أحيانا، من ثم، فإن الاتفاق على تغيير قواعد اللعبة السياسية، وفي مقدمتها القوانين الانتخابية، قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة، ويمثل قطيعة مع منطق التحكم.

Share This Article