انتقل مقترح الحكم الذاتي إلى مرحلة جديدة، يكتسب فيها شرعية أممية ثابتة، بعد الحدث المتمثل في تصويت 11 دولة بمجلس الأمن، على المقترح كحل للنزاع المفتعل، المرتبط بالصحراء المغربية.
في هذا السياق وجهنا بعض الأسئلة لعضو لجنة العلاقات الخارجية بالمكتب الوطني للشبيبة الاتحادية، وعضو لجنة المراقبة باليوزي، هند قصيور حول التغييرات التي يمكن أن يحدثها هذا الانتصار الديبلوماسي على مستوى خطاب الديبلوماسية الرسمية والحزبية.
نص الحوار:
ماذا بعد التبني الأممي للحكم الذاتي؟
ما بعد التبني الأممي لمبادرة الحكم الذاتي ليس محطة راحة بل بداية امتحان جديد في التاريخ السياسي للمغرب. فالعالم لم يمنحنا اعترافا مجانيا بل سلّم للمغرب مسؤولية إثبات قدرته على تحويل المبادئ إلى واقع والشرعية إلى مشروع حياة.
نحن لم نربح معركة التصويت فقط بل كسبنا معركة المفهوم: أن الوحدة الترابية مشروع دولة، والمرحلة الحالية تحتم الانتقال من الدفاع إلى البناء، ومن الترافع إلى التفعيل. خاصك وأن المغرب لم يعد يقدم نفسه كدولة تبحث عن اعتراف بل كقوة إقليمية تقود بنموذجها.
وخطاب صاحب الجلالة في 31 أكتوبر أوضح أن الفتح الجديد ليس في الكلمات بل في الفعل في تثبيت السيادة عبر التنمية وبناء الوحدة عبر العدالة المجالية والديمقراطية المحلية، وهذا بالضبط ما عبّر عنه حين ربط السيادة بالتنمية، هذا هو جوهر الحكم الذاتي المغربي وما يجب أن يصبح مضمون الترافع في المرحلة المقبلة، وبالتالي فالتبني الأممي ليس نهاية مسار بل بداية التزام مضاعف، فالسيادة لا تعلن فقط بل تبنى كل يوم.
التحدي أن يرى العالم في الصحراء المغربية نموذجا خالصا للحداثة السياسية: مؤسسات منفتحة، مجتمع منتج، شباب منخرط، وتنمية متوازنة، وأقوى حجة مغربية اليوم ليست البلاغات ولا القرارات بل المشاريع الملموسة التي تثبت أن المغرب يملك ما لا يملكه خصومه: رؤية واستقرار وإرادة.
هل يجب تغيير الخطاب الديبلوماسي بعد 31 أكتوبر؟
بعد هذا الانتصار يجب أن يتحول خطابنا الدبلوماسي من منطق الإقناع إلى منطق القيادة، وهذه مسؤولية جيلنا الاتحادي الذي يحمل رسالة وطنية بلغة يفهمها العالم، فالمغرب لم يعد طرفا في نزاع بل صانع رؤية في محيطه.
الحكم الذاتي كما أراده الملك تصور مغربي لمستقبل الحكم في المنطقة يوازن بين السيادة والتعدد وبين الدولة القوية والمجتمع الحر،ومن هنا فإن معركة الترافع المقبلة يجب أن تخاض في الساحات الدولية بنفس النفس الذي خاض به المغرب معركة التحرير: بثقة الوعي وصلابة الموقف والقدرة على إقناع العالم أن هذا الوطن لا يدافع فقط عن حدوده بل عن فكرة الدولة العاقلة في عالم يميل إلى الفوضى.
ولابد من التأكيد أن الديبلوماسية الحزبية جزء من هذا التحول، والاتحاد الاشتراكي بما له من امتداد أممي وإرث فكري مطالب بأن يعيد تموضعه في قلب المرحلة الجديدة وأن يوظف حضوره داخل الأممية الاشتراكية والاتحاد الدولي للشبيبة الاشتراكية لشرح الرؤية المغربية بلغة العدالة والديمقراطية.
القضية الوطنية اليوم لم تعد قضية حدود بل قضية نموذج، وكلما أظهرنا للعالم أن المغرب يربط الوطنية بالإصلاح والوحدة بالتنمية ترسخت سيادتنا أكثر في الوعي الأممي.
ما هي قراءتك لانسحاب الجزائر من التصويت بمجلس الأمن؟
انسحاب الجزائر من جلسة مجلس الأمن لم يكن تصرفا دبلوماسيا عابرا بل موقفا رمزيا يلخص حالة الارتباك التي تعيشها دبلوماسيتها أمام التحول العميق في تعاطي المجتمع الدولي مع قضية الصحراء المغربية لأنه يعكس فقدانها لثقة الخطاب الذي راهنت عليه طويلا.
أدركت الجزائر أن ميزان الشرعية لم يعد يميل إلى الشعارات القديمة ولا إلى خطاب الحرب الباردة بل إلى الواقعية السياسية التي يمثلها المغرب من خلال مبادرة الحكم الذاتي، حين تنسحب الجزائر فهي لا ترفض قرارا بل تهرب من مواجهة الإجماع الأممي المتنامي حول مبادرة مغربية صاغها العقل الوطني بجرأة واتزان وقدمها جلالة الملك محمد السادس للعالم كخيار سلمي وديمقراطي يحفظ السيادة ويمنح الكرامة.
الانسحاب ليس تعبيرا عن قوة موقف بل عن نهاية خطاب لم يعد يجد من يصغي إليه. العالم اليوم يتغير والمؤسسات الأممية تتفاعل مع هذا التحول بواقعية أكبر، ومفاهيم السيادة والاستقرار باتت تقرأ من زاوية التنمية لا الأيديولوجيا.
هل انسحاب الدول الثلاث حياد يخدم موقف المملكة؟
امتناع ثلاث دول عن التصويت ليس حيادا سلبيا بل تعبير عن احترام لمنطق التوافق الأممي وعن انتظار لتطور المسار السياسي في أفق تبن أوسع للحل المغربي، هذه الدول تدرك أن المقترح المغربي أصبح إطارا مرجعيا داخل أدبيات الأمم المتحدة تحيل عليه القرارات وتبنى عليه مواقف الدول الكبرى حتى حين تختار لغة الحذر. المغزى أن العالم لم يعد يتعامل مع القضية الوطنية كملف نزاع بل كقضية استقرار إقليمي، والمغرب هو الطرف الوحيد الذي يقدم مشروعا واقعيا لتحقيقه.
وأرى أن هذا الحدث يؤكد صواب النهج المغربي في الجمع بين الشرعية الأممية والمشروعية الوطنية، فالمغرب لم ينتظر أحدا ليعترف به بل أقنع العالم عبر استمراريته في الإصلاح وانفتاحه على الحوار وثقته في مؤسساته. الانسحاب الجزائري انسحاب من روح العصر، والموقف المغربي تأكيد أن الوطن الذي يملك رؤية لا يخاف التاريخ.