حامي الدين لـ”سفيركم”: الدستور يقرّ بحق مغاربة العالم في التصويت لكن الإجراءات تُعرقله

marocain
7 Min Read

مع اقتراب الاستحقاقات التشريعية لسنة 2026، يتجدد النقاش حول مشاركة مغاربة العالم في العملية الانتخابية، فبالرغم من حجم تحويلاتهم المالية الداعمة للاقتصاد الوطني، يظل تمكينهم من ممارسة حقهم السياسي مقيدًا بسبب الإجراءات الإدارية المعقدة واللوائح غير الواضحة.

هذا الواقع، يرى الكثير من المهتمين، أنه لا يثير التساؤل حول فعالية المنظومة الانتخابية فحسب، بل يسلط الضوء أيضا على ملف العدالة الديمقراطية وحق الجالية في التأثير الفعلي على رسم السياسات العمومية، إذ يمكن لأصواتهم الانتخابية أن تكسر هيمنة النخب التقليدية وتفتح آفاقًا لتجديد المشهد السياسي والخريطة الانتخابية.

عبد العلي حامي الدينٍِ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال في هذا السياق، إن دستور 2011 أقر في الفصل 17 لأول مرة حق المغاربة في التصويت، انطلاقا من مقر إقاماتهم بالبلدان المضيفة، أسوة بعدد من الدول التي أقرت ذات الحق لمواطنيها، وهي خطوة مهمة في طريق تفعيل مبدأي الاقتراع العام المباشر وحق التصويت على قدم المساواة بين الناخبين.

وأضاف في تصريحه لـ”سفيركم”، أن المادة 72 من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب بشأن تصويت المغاربة المقيمين بالخارج نصت على أنه: “يجوز للناخبات والناخبين المقيدين في اللوائح الانتخابية العامة المقيمين خارج تراب المملكة أن يصوتوا في الاقتراع عن طريق الوكالة.”

غير أن هذا الأسلوب، وفقا لحامي الدين، أثبت عدم فعاليته وعدم جدواه، وذلك من عدة أوجه، أولها الإجراءات الإدارية المعقدة التي تتطلبها تعبئة مطبوع الوكالة، إذ لابد للمعني بالأمر من التوجه شخصيا لمقر السفارة أو القنصلية التابع لها مكان إقامته لإتمام الإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة المذكورة، وهو إجراء، لا يتيسر لكل المغاربة المقيمين بالخارج، إذ قد يكون مكان إقامتهم يبعد بمئات الكيلومترات عن مكان السفارة أو القنصلية، وهو ما يحول، عمليا، من توجه المغاربة الراغبين في التصويت بالكثافة المرجوة والمسجلة في تجارب مقارنة.

وأوضح أن الفقرة الثالثة من المادة المذكورة تفرض على المعني بالأمر وجوبا أن يتولى بنفسه توجيه أو تسليم الوكالة إلى الشخص الذي تم توكيله، وهذا يعني أعباء إضافية تدفع المعنيين بالأمر إلى التقاعس عن المشاركة السياسية والتصويت في الانتخابات.

وأضاف حامي الدين أنه وبعد عناء انتقال الموكل لمقر السفارة أو القنصلية وتَحَمُّل مصاريف إرسال الوكالة للمغرب، يتم تعقيد أمر التصويت بالوكالة من خلال التنصيص في الفقرة الأخيرة من المادة 72 السالفة الذكر على أنه “لا يجوز لشخص أن يكون وكيلا لأكثر من ناخب واحد مقيم خارج تراب المملكة”، بحيث إن الأسرة المهاجرة التي تتكون من ثلاثة ناخبين أو أكثر ولهم شقيق ناخب واحد بالمغرب، فإنه لا يمكن أن يصوت نيابة عنهم جميعا، وهذا تعقيد وتعسير لسبل المشاركة السياسية، وتعطيل لمبدإ دستوري يخول للمغاربة المقيمين بالخارج الحق في التصويت.

وفي السياق ذاته، ذكر حامي الدين أن مغاربة العالم شاركوا في الاستفتاء على دستور المملكة لعام 2011 عن طريق التصويت المباشر انطلاقا من بلدان الإقامة، حيث عبأت مختلف سفارات وقنصليات المملكة عبر ربوع العالم كل الوسائل اللوجستيكية والفنية الكفيلة بضمان تصويت مغاربة العالم بكل انسيابية ويسر، وهو ما يعني إمكانية تعبئة نفس الوسائل لإنجاح التصويت المباشر للمغاربة المقيمين بالخارج.

وأكد المتحدث نفسه أن المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج حق دستوري لا يمكن تعطيله، وتعود أصولها الأولى إلى الانتخابات البرلمانية لعام 1984، حيث خُصصت لهم خمسة مقاعد في خمس دوائر انتخابية، (دائرة باريس، وليون، وبروكسيل، ومدريد، وتونس العاصمة)،حددها المرسوم رقم 2.84.515 المتعلق بإحداث دوائر انتخابية خارج أرض الوطن، ليتم التخلي عن هذه التجربة مباشرة في الاستحقاقات الموالية.

وأبرز حامي الدين أن التصويت الخارجي للمواطنين المغاربة، الذين اضطرتهم الظروف إلى الهجرة بصفة دائمة أو مؤقتة، كطلبة أو رجال أعمال أو عمال أو سائحين، أو غيرهم من المواطنين المتواجدين خارج وطنهم خلال تاريخ الاقتراع، سيسمح لهم بالإسهام في بناء مستقبل البلاد وتنميتها واستقرارها، والرفع من نسبة المشاركة السياسية، وتدعيم شرعية النظام السياسي وشرعية المؤسسات المنتخبة، فضلا عن تحقيق مبدأ الاقتراع العام، وتعزيز وترسيخ الديمقراطية، بالإضافة إلى تعميق أواصر الارتباط بالوطن وبمؤسساته.

وتعليقا على إشراك الجالية في تجديد النخب الحزبية، لم يشكك المتحدث نفسه في هذا الطرح، حيث أكد أنه سيساهم بشكل إيجابي في تجديد النخب، وضخ أفكار جديدة وتعزيز الثقة في المؤسسات، خاصة إذا تم اعتماد دوائر انتخابية مخصصة لتمثيل مغاربة العالم، أو تخصيص نسبة معينة في إطار لائحة وطنية تضم النساء والشباب ومغاربة العالم مثلا، لاسيما وأن عدد المغاربة المقيمين بالخارج يناهز 6.5 مليون نسمة، يتوزعون على أكثر من 100 بلد في مختلف قارات العالم، حسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي صدر عام 2022.

وأضاف حامي الدين أن أوروبا تستقطب منهم ما نسبته 89% أي 4.5 مليون نسمة مسجلين بمختلف قنصليات المملكة بالقارة الأوربية فقط، وهي نسبة مهمة من الناحية العددية، تعكس ثقل الكتلة البشرية التي يمثلونها، حيث أضحت تشكل أزيد من 15% من العدد الإجمالي للسكان المغاربة حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى، لتصل تحويلاتهم سنة 2022 حوالي 7 % من الناتج الداخلي الخام، أي بما ناهز 110 مليار درهم، لترتفع سنة 2023 إلى 115 مليار ردهم، أي بمعدل نمو 4.1%، كما أنها تشكل 20% من الموارد التي تجمعها البنوك المغربية، وتمول ثلث العجز التجاري، هذا فضلا عن التغذية المستمرة والمنتظمة والمهمة لخزينة المملكة بالعملة الصعبة.

وأوضح حامي الدين أن المغاربة المقيمين بالخارج يشكلون قوة اقتصادية ومالية وبشرية وازنة ولا يستهان بها، وهو ما يفرض على السياسة الانتخابية بالمغرب أن تولي اهتماما عادلا ومنصفا لهذه الفئة من المغاربة فيما يتعلق بمشاركتها السياسية، ودعم انخراطها في مختلف العمليات الانتخابية، وضمان حقوقها السياسية، ومن بينها الحق في التسجيل في اللوائح الانتخابية والترشيح والتصويت.

وأمام هذا الوضع، دعا المتحدث نفسه إلى ضرورة تعديل التشريع المتعلق بنظام التصويت لهذه الفئة من المواطنين، واعتماد التصويت الشخصي من خلال بلدان الإقامة، وهو الأسلوب الأكثر شيوعا عبر العالم، ويتميز بشفافية أعلى مقارنة بالطرق الأخرى.

ياسمين اشريف

Share This Article