قال الخبير الاستراتيجي في الشؤون السياسية هشام معتضد إن خطاب الملك محمد السادس، الذي ألقاه مباشرة بعد تصويت مجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصحراء المغربية، تميز بتوازن دقيق بين الاحتفاء بالإنجاز الدبلوماسي للمملكة وإبقاء قنوات الحوار مفتوحة، معتبرا أن هذا التوازن يعكس “تركيبة استراتيجية دقيقة وخبرة مخزنية عميقة في إدارة الملفات الحساسة”.
وأكد معتضد أن الخطاب الملكي صاغ نجاح المغرب في هذا الملف على أنه ثمرة تخطيط طويل المدى، يجمع بين التدرج في التفاوض الدولي، والحشد الدبلوماسي المدروس، والقدرة على تقديم حلول عملية تحترم السيادة الوطنية وتضمن استقرار المنطقة.
وأشار الخبير إلى أن التكتيك الدبلوماسي للملك ظهر بشكل واضح في الرسائل الموجهة إلى مختلف الأطراف، سواء المجتمع الدولي، أو الجزائر، أو ساكنة مخيمات تندوف، موضحا أن الملك قدم المبادرة المغربية للحكم الذاتي كخيار سياسي واقعي وجدي، مع الحرص في الوقت ذاته على إرسال رسائل تضامن وأخوة تعكس رغبة المغرب في الحل السلمي المبني على الثقة والاعتراف المتبادل.
وشدد معتضد على أن القدرة على توجيه رسائل متعددة في خطاب واحد، مع الحفاظ على نبرة متزنة وثابتة، تعكس الخبرة العميقة للمؤسسة الملكية في هندسة الخطاب السياسي، مشيرا إلى أن كل كلمة في الخطاب محسوبة لتعظيم المكاسب الدبلوماسية دون المساس بالثوابت الوطنية.
وأضاف المتحدث ذاته، أن الخطاب الملكي بعد تصويت مجلس الأمن يجسد رؤية استراتيجية مغربية بعيدة المدى، من خلال تحويل كل حدث دولي إلى أداة لتعزيز المصداقية والوحدة الوطنية وترسيخ النفوذ الإقليمي للمملكة.
وأوضح معتضد أن هذا التكتيك السياسي القائم على الجمع بين الرمزية الوطنية والإنجاز الدولي والانفتاح على الحلول الواقعية، يمنح المغرب أفضليته الأخلاقية والسياسية، ويضع أساسا متينا لتسوية مستدامة للنزاع، في إطار رؤية متكاملة ومتسقة على المدى الطويل.
ولفت الخبير إلى أن الخطاب الملكي استثمر الحدث الدولي لتعزيز الشرعية الوطنية، مؤكدا أن الملك قدم القرار الأممي “ليس فقط كمكسب دبلوماسي، بل كجزء من مسار استراتيجي يرسخ السيادة المغربية ويقوي موقع المملكة في المفاوضات الإقليمية والدولية”.
واعتبر معتضد أن الخطاب الملكي يمثل درسا في إدارة الرسائل السياسية المتعددة الأبعاد، إذ يرفع داخليا من معنويات الشعب ويؤكد الإنجازات، ويظهر إقليميا انفتاح المغرب على الحلول السلمية، بينما يرسخ دوليا صورة المملكة كدولة ذات استراتيجية واضحة ومستقرة.
وفي هذا الصدد، ختم الخبير تصريحه لـ”سفيركم” بالتأكيد على أن هذا التوازن بين الاحتفاء بالنجاح والانفتاح على الحوار يعكس خبرة عميقة في هندسة السياسة الملكية، حيث يتم تصميم كل كلمة بعناية لتقديم المغرب كقوة سياسية تجمع بين الحزم في الثوابت والمرونة في التكتيكات، مع الحفاظ على الزخم الدبلوماسي الذي يضمن استمرار المكاسب على المستويين الإقليمي والدولي.