أسلم المناضل اليساري مصطفى براهمة، أحد أبرز مؤسسي وقادة اليسار المغربي، هذا اليوم، الروح إلى بارئها بعد معاناة طويلة مع المرض، حيث نقل قبل أيام من مصحة خاصة إلى منزله، ليفارق الحياة وسط موجة حزن عميقة بين رفاقه ورفيقاته في النضال.
ولد الراحل سنة 1955 بدوار الجوالة بقبيلة أولاد حريز، وتخرج مهندسًا قبل أن يختار طريق النضال السياسي والفكري. ارتبط اسمه مبكرا بمنظمة «إلى الأمام» الماركسية الثورية، التي سعت إلى إعادة بناء اليسار المغربي على أسس فكرية وتنظيمية جديدة.
وقد اعتقل سنة 1985، ليحكم عليه بعشرين سنة سجنا، قبل أن يشمله عفو ملكي سنة 1994.
تولى مهمة الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي في يوليوز 2012 خلفا لعبد الله الحريف، وظل يشكل أحد أبرز رموز الجيل الذي ربط بين الحركة اليسارية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وينظر إلى مصطفى براهمة كرمز لجيل خاص من القادة الذين جمعوا بين البراغماتية الفكرية والوضوح المبدئي.
كان يدرك أن الفعل السياسي لا يقوم فقط على الشعارات والإنتاج النظري، بل على قراءة دقيقة للواقع وموازين القوى، لذلك ظل يؤمن بأن النضال الديمقراطي الجذري هو الطريق الواقعي نحو التغيير.
تميز الراحل، خلال فترتي قيادته للنهج الديمقراطي، بروح الحكمة والتوافق، وبقدرة نادرة على الحفاظ على تماسك التنظيم في وجه الضغوطات السياسية والحصار الإعلامي، في زمن شهد عودة مظاهر التضييق على الحريات والنقابات.
لم يكن براهمة من أولئك الذين يكتفون بالتنظير من بعيد؛ بل كان حاضرا دائما في الساحات والوقفات، متضامنا مع ضحايا القمع السياسي والنقابي، ومساهما في دعمهم ماديا ومعنويا، ليجسد معنى الالتزام الأخلاقي والإنساني الذي لا ينفصل عن الموقف السياسي.
برحيله، يفقد اليسار المغربي صوتا نزيها ومثقفا صلبا ظل وفيا لقيم العدالة الاجتماعية والحرية، ومدرسة في النضال الهادئ والمثابر.
رحم الله مصطفى براهمة، رجل الفكرة والموقف، والإنسان الذي ظل يؤمن أن الثورة الحقيقية تبدأ من احترام كرامة الإنسان.