تتجاوز الدبلوماسية أحيانا حدود المواقف المعلنة لتتحول الكلمات نفسها إلى أدوات ضغط، ترسم خرائط نفوذ جديدة وتعيد ترتيب موازين القوى، هذا ما يكشفه خطاب مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي يبدو أنه فتح نافذة جديدة لفهم الحسابات الأمريكية في ملف الصحراء المغربية، وحيث يجد مراقبون أن كل كلمة في خطابه لم تكن مجرد إعلان عن موقف رسمي، بل رسالة استراتيجية مزدوجة موجهة إلى الفاعلين الإقليميين والدوليين على حد سواء.
بولس، في أحدث تدوينة له، لم يكتف بتأكيد الموقف الأمريكي الداعم للمغرب، بل شدد على أن أي تحرك للأمم المتحدة، بما فيه دور بعثة المينورسو أو خطوات المبعوث الأممي، يجب أن يتم بتنسيق مسبق مع واشنطن، هذه العبارة وحدها كفيلة بإعادة تعريف قواعد اللعبة، فأمريكا لم تعد تسمح بأجندات أممية غامضة، ولا بمسارات جانبية يمكن أن قد تُفسَّر كعرقلة للحل المغربي.
الخبير الأمني وأستاذ العلاقات الدولية وتسوية النزاعات، عصام العروسي، أكد أن هذا الخطاب يدخل ضمن ما يسميه بـ”الدبلوماسية الصامتة”، حيث تكون الكلمات مختصرة لكن مشحونة بالرسائل المبطنة، وأوضح أن واشنطن تسعى إلى نهج جديد يجعلها صاحبة الكلمة الفصل في أي مسار دولي بخصوص الصحراء المغربية، في انسجام مع التحولات التي أعقبت الاعتراف الأمريكي سنة 2020.
وأبرز العروسي في تصريحه لـ”سفيركم”، أن هذه المقاربة تعكس “تغييرا منهجيا في النسق الدولي”، إذ لم تعد القضية تُقرأ بمنظار الحرب الباردة أو بمقولات “تقرير المصير” التي فقدت بريقها، بل بمنطق جديد يضع الحكم الذاتي كحل وحيد وواقعي.
ومن جهة أخرى، فخطاب بولس، وفقا لقراءة العروسي، كان بمثابة جرس إنذار للجزائر والبوليساريو، فهو يضيّق الخناق على خياراتهما، ويكشف عزلة سياسية آخذة في الاتساع بعد التحولات المتسارعة في مواقف فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، البرتغال، وعدد من الدول الإفريقية وأمريكا اللاتينية.
وبحسب المتحدث نفسه، فإن الجزائر تجد نفسها اليوم في مأزق حقيقي بضغط مزدوج، فهي تراهن على أوهام تراجع الدعم الأمريكي وهو ما لم يتحقق، لتجد نفسها سياسيا عارية أمام خطاب أمريكي صارم لا يترك لها سوى خيار واحد: الانحناء أمام الحل المغربي للحكم الذاتي.
بهذا الشكل، تتحول الكلمات إلى رصاصات ناعمة في المعارك الدبلوماسية، فخطاب بولس كما يراه عصام العروسي، لم يكن مجرد تدوينة، بل كان خريطة ضغط جديدة أعادت وضع الجزائر والبوليساريو أمام وضع سياسي ملغوم، بينما عزز موقع المغرب كفاعل محوري مدعوم برؤية تنموية واستراتيجية أطلسية تفتح آفاقا واسعة لشعوب المنطقة.