عبد الفتاح: انقسام “سادك” يعكس الوعي بأن الخروج عن المرجعية الأممية في قضية الصحراء لن يجلب سوى الأزمات

marocain
6 Min Read

كشف محمد سالم عبد الفتاح أن الانقسام الذي حدث في قمة مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية “سادك”، بين إسواتيني وموريشيوس ومدغشقر المساندين لموقف المملكة من قضية الصحراء المغربية، وبين جنوب إفريقيا وزيمبابوي وموزمبيق وناميبيا المتمسكين بخطاب “البوليساريو”، يعكس وعي دول إفريقية بأن الخروج عن المرجعية الأممية في التعاطي مع قضية الصحراء لن يجلب سوى الأزمات ويلحق الضرر بصورة المنظمة.

وأشار سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، في هذا الحوار الذي أجراه معه موقع “سفيركم” الإلكتروني، إلى خلفيات هذا الانقسام، مبرزا أن إدراج فقرة تضامنية مع جبهة البوليساريو الوهمية في البيان الختامي للقمة لا يعدو أن يكون موقفا شكليا وجملة بلا وزن عملي، وأن هذا الموقف يضعف من صورة “سادك” كمنظمة اقتصادية إقليمية، مشددا في ذات الوقت على ضرورة توظيف المغرب لعلاقاته الاقتصادية والاستثمارية في إفريقيا بهدف تعزيز الموقف الداعم له داخل المنظمة.

وكان قد نقل موقع “Africa Intelligence” أن ملك إسواتيني ورئيس وزراء موريشيوس ورئيس مدغشقر نجحوا في إجهاض محاولات فرض مواقف منحازة للجبهة الانفصالية داخل القمة، مؤكدين أن أي انخراط مباشر للمنظمة سيضر بصورتها الاقتصادية والدبلوماسية، في مقابل ضغط كل من جنوب إفريقيا وزيمبابوي وموزمبيق وناميبيا لتجديد دعم المنظمة للجبهة، غير أنها لم تنتزع سوى فقرة شكلية في البيان الختامي تؤكد “التضامن مع شعب الصحراء”.

وهذا نص الحوار الذي أجراه الموقع مع سالم عبد الفتاح:

كيف تقرأ خلفيات الانقسام الذي شهدته قمة “سادك” الأخيرة بين محور داعم للمغرب وآخر متمسك بأطروحة “البوليساريو” المهترئة؟

الانقسام الذي طفا على السطح خلال قمة “سادك” يعكس في جوهره صراعا بين منطقين متناقضين، الأول مرتبط بإرث أيديولوجي قديم ما زالت بعض الدول مثل جنوب إفريقيا وزيمبابوي وناميبيا متمسكة به، وهو منطق يستحضر سرديات “حركات التحرر” ويستثمرها في محاولة تبرير الاصطفاف إلى جانب أطروحة البوليساريو، رغم أن السياق الدولي تغير بشكل عميق ولم يعد يقبل بمثل هذه الطروحات، فضلا عن استحلالة إسقاط شعارات التحرر المزعومة على تجربة الجبهة الإنفصالية باعتبارها غارقة في ممارسات متخلفة بعيدة كل البعد عن قيم التحرر والتقدمية.

أما المنطق الثاني فيرتبط بواقع التنمية والاستقرار الذي تفرضه التحولات الاقتصادية الكبرى في القارة، حيث باتت دول مثل إسواتيني وموريشيوس ومدغشقر أكثر وعيا بأن الخروج عن المرجعية الأممية في التعاطي مع ملف الصحراء المغربية لن يجلب سوى الأزمات وسيضر بصورة المنظمة التي يفترض أن تكون واجهة للتكامل الاقتصادي. بهذا المعنى فإن خلفيات الانقسام داخل “سادك” ليست سوى انعكاس للتنافس بين أجندة إيديولوجية متجاوزة وأجندة براغماتية تضع الاستثمار والتنمية في قلب الأولويات، وهو ما يفسر الدور الحاسم للدول التي نجحت في إجهاض محاولات فرض مواقف منحازة للجبهة الانفصالية.

هل يمكن اعتبار “فقرة التضامن” المدرجة في البيان الختامي للقمة مجرد تنازل شكلي، أم أنها تحمل دلالات استراتيجية على استمرار انقسام “سادك” في هذا الملف؟

يمكن القول إن إدراج فقرة التضامن في البيان الختامي لا يعدو أن يكون تسجيل موقف شكلي، أكثر مما هو اختيار أو توجه استراتيجي بالنسبة للهيئة الأقليمية المعنية، ذلك أن مضمونها لم يخرج عن عبارات فضفاضة لا ترتب أي أثر سياسي أو قانوني، ولا تغير من المرجعية الأممية التي يظل النزاع محكوما بها.

غير أن هذا لا ينفي أن وجود الفقرة في حد ذاته يكشف عن استمرار حالة الانقسام داخل “سادك”، إذ يعكس إصرار جنوب إفريقيا وحلفائها على إبقاء الموضوع حاضرا ولو بشكل رمزي، في مقابل تمسك دول أخرى بعدم الانجرار وراء أي موقف يتناقض مع الأمم المتحدة.

بهذا المعنى، فهي جملة بلا وزن عملي لكنها تحمل دلالة سياسية على أن الجبهة الانفصالية ما زالت تجد من يوفر لها منصة خطابية، وإن كان ذلك على حساب مصداقية المنظمة التي يفترض أن تركز على التنمية الاقتصادية بدل الاصطفاف في نزاعات خارج اختصاصها.

وهل يمكن لهذه الفقرة أن تفقدها مصداقيتها كمنظمة اقتصادية إقليمية؟

بالفعل إدراج مثل هذه الفقرة يضعف من صورة “سادك” كمنظمة اقتصادية إقليمية، لأن انخراطها في نزاع سياسي معقد وبعيد عن نطاقها الجغرافي والوظيفي يفقدها التركيز على أولوياتها الحقيقية، وهي التنمية والتكامل الاقتصادي.

فخصوم المملكة باتو يحولون المنظمة إلى مجرد أداة لتصفية حسابات سياسية تقودها جنوب إفريقيا وبعض حلفائها، بالرغم من أن ذلك يسيء إلى مصداقيتها أمام بقية الأعضاء وأمام الشركاء الدوليين الذين ينظرون إليها كإطار للتعاون الاقتصادي لا كمنبر لتبني أطروحات انفصالية.

فحتى الموقف المتماهي مع الدعاية الإنفصالية لا يعدو عن خطوة رمزية، فإنها تسجل نقطة سلبية في رصيد المنظمة وتكرس صورتها كمؤسسة منقسمة وغير متماسكة، وهو ما يضعف جاذبيتها الاستثمارية والدبلوماسية مقارنة بباقي التكتلات الإقليمية الإفريقية.

كيف يمكن للمغرب أن يوظف علاقاته الاقتصادية والاستثمارية في إفريقيا لتعزيز الموقف الداعم له داخل “سادك”؟

المغرب بإمكانه أن يوظف قوته الاقتصادية المتنامية كمدخل أساسي لتعزيز مواقفه السياسية داخل الفضاء الإقليمي لجنوب القارة، خصوصا وأن عددا من دول “سادك” تنظر بجدية إلى فرص الاستفادة من الاستثمارات المغربية في قطاعات حيوية مثل الأبناك، الاتصالات، الطاقة المتجددة والفلاحة. هذا التموقع يمكن للمغرب أن يحوله إلى رافعة دبلوماسية، بحيث يجعل من الشراكات الاقتصادية أداة لتقوية الاصطفاف إلى جانبه في قضية الصحراء، عبر ربط المصالح المشتركة بواقع سياسته على الصحراء.

كما أن تنامي حضور الشركات المغربية في أسواق إفريقيا الجنوبية والشرقية يمنح الرباط قدرة على التأثير العملي، إذ يترجم الالتزام السياسي في مشاريع تنموية ملموسة تعود بالنفع المباشر على المجتمعات المحلية، وهو ما يعزز الثقة في الخيار المغربي ويضعف الخطاب الإيديولوجي لخصومه.

فالاستثمار المغربي في إفريقيا ليس فقط أداة للتنمية، وإنما أيضا وسيلة موازية لترسيخ الدعم السياسي داخل “سادك” وخلق توازن جديد يحد من الهيمنة التقليدية لجنوب إفريقيا في المنطقة.

Share This Article