عصيد لـ”سفيركم”: الشباب لا يريد ترقيعات بل مراجعة شاملة لسياسات الدولة

marocain
3 Min Read

قال الكاتب والناشط الحقوقي، أحمد عصيد، إن ما يعيشه المغرب من اهتزازات واحتجاجات شبابية ليس مجرد أزمة ظرفية، بل محطة تاريخية تفرض على الدولة والمجتمع مراجعة عميقة وشجاعة لأسس الحكامة وطريقة تدبير الشأن العام، مضيفا “إننا أمام منعطف تاريخي يتطلب مراجعة جذرية لا للمؤشرات الاقتصادية فحسب، بل لمنطق السياسة والحكامة والتدبير في حد ذاتها”.

وتابع عصيد، في حديثه مع “سفيركم”، أن ما يحدث اليوم من احتجاجات ليس صدفة ولا موجة عابرة، بل هو انعكاس طبيعي لتراكمات عميقة، ولإحساس متزايد لدى فئات واسعة من الشباب بعدم جدوى الخطاب الرسمي، هؤلاء، حسب تعبيره، لا يبحثون عن حلول ترقيعية أو إجراءات استعجالية لتسكين الألم، بل يريدون أن يشعروا بأن الدولة فهمت الرسالة، أي أن تتغير السياسات لا الوجوه، وأن يتغير المنطق لا الأشخاص.

إن أخطر ما يمكن أن تواجهه أي دولة حسب عصيد، هو تكرار نفس المقاربة رغم تغير الظروف، لأن ذلك يعني إعادة إنتاج الأزمات نفسها في حلقة مفرغة من الوعود والتبريرات، فإذا لم تتغير الفلسفة العامة للحكامة، وإذا لم يُفتح نقاش وطني حول نمط اتخاذ القرار وتوزيع الثروة، فإن أي تغيير حكومي أو تعديل وزاري لن يغير شيئا من جوهر الأزمة.

وفي السياق ذاته، ذكر عصيد بأن استعادة الثقة المفقودة تمر أولا عبر إعادة الاعتبار للأحزاب السياسية، التي يفترض أن تكون جسرا بين الدولة والمجتمع، لا مجرد أدوات انتخابية موسمية، فالشباب اليوم، وفقا لتعبيره، يريد أن يرى أحزابا دينامية تتحرك وتتفاعل، تناقش همومه لا أن تتحدث باسمه، وتفتح أبوابها أمام النساء والشباب ليكونوا فاعلين لا متفرجين، لأنهم يمثلون طاقة هائلة معطلة بسبب التهميش والإقصاء المستمر.

وحذر الكاتب والناشط الحقوقي من الاستمرار في الخضوع لإملاءات المؤسسات المالية الدولية ذات التوجه النيوليبرالي، التي تفرض سياسات تقشفية تؤدي إلى إضعاف القطاعات الاجتماعية الحيوية، مثل التعليم والصحة والسكن، “فحين تصبح السياسات العمومية مجرد ترجمة لتوصيات صندوق النقد أو البنك الدولي، يفقد القرار الوطني استقلاليته”.

هذه المقاربة، كما يوضح، لا يمكن أن تثمر عدالة اجتماعية، لأنها تبقي قطاع الخدمات في حالة عوز دائم، وتزيد الفوارق الطبقية وضوحا وعمقا، ما يجعل الاحتجاجات الاجتماعية نتيجة منطقية وليست استثناء، فالشباب الذين يخرجون اليوم إلى الشارع لا يثورون على أشخاص، بل على نموذج بأكمله أثبت نجاحه في غلق أفق الطموحات.

وخلص عصيد أن ما يطالب به الشباب اليوم ليس مستحيلا، “إنهم يريدون فقط أن يُستمع إليهم بصدق، وأن يشعروا بأن أصواتهم تصنع الفارق، فحين يلمس الشباب دينامية حقيقية داخل الأحزاب، وإرادة سياسية واضحة في محاربة الفساد وإعادة توزيع الثروة بعدالة، يمكن أن يسترجعوا الثقة في السياسة، ويعيدوا الأمل إلى المستقبل”.

فهذه اللحظة فارقة كما وصفها عصيد، تستدعي من الجميع، دولة ومجتمعا ونخبا فكرية وسياسية، أن يضعوا خارطة طريق جديدة لمغرب الغد، مغرب يؤمن بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الاعتراف بأن ما جرى لم يكن مجرد خلل إداري، بل أزمة رؤية تحتاج إلى شجاعة في المراجعة وجرأة في الفعل.

Share This Article