أثار خبر اللقاء الذي جمع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بكل من رؤساء ليبيا وموريتانيا وتونس، إلى جانب زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، على هامش معرض التجارة البينية الإفريقية (IATF 2025) بالجزائر العاصمة، جدلا واسعا في في المشهد الإعلامي والسياسي، فبينما انفردت وسائل إعلام جزائرية بالترويج له، غاب أي تأكيد رسمي من الدول الأخرى المشاركة، ما جعل الحدث محاطا بتساؤلات عميقة حول خلفياته، فهل يتعلق الأمر بمبادرة رمزية لإبراز الجزائر كفاعل إفريقي صاعد، أم بمناورة سياسية تستهدف إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في شمال إفريقيا على حساب المغرب؟
ويرى مراقبون أن اختيار قصر “المعارض بالصنوبر البحري”، الذي يحتضن فعاليات إفريقية بمشاركة أكثر من 140 دولة، لم يكن اعتباطيا، فالجزائر تسعى إلى استثمار هذه المنصة الاقتصادية لتمرير رسائل سياسية، أبرزها تقديم نفسها كقوة إقليمية قادرة على جمع قادة دول شمال إفريقيا، وإظهار البوليساريو في صورة “طرف رسمي” داخل فضاء إفريقي، رغم محدودية الاعتراف الدولي بها.
في هذا السياق، محمد بوبوش، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، اعتبر في تصريح لـ”سفيركم”، أن هذا اللقاء “ليس مجرد اجتماع اقتصادي عابر، بل يحمل أبعادا رمزية قوية، ويعكس رغبة الجزائر في تكريس صورتها كقوة إفريقية رائدة، خاصة بعد تقليص حضور البوليساريو في قمم دولية مع شركاء كبار مثل اليابان وأمريكا”.
منذ قطع العلاقات مع المغرب سنة 2021، تسعى الجزائر، وفق بوبوش، إلى بناء محور مغاربي مصغر يضم الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، مع استبعاد المغرب بشكل واضح، ففي أبريل 2024، عقدت الجزائر قمة ثلاثية مع تونس وليبيا لمناقشة التعاون الاقتصادي والأمني، ثم حاولت لاحقا استمالة موريتانيا.
وأضاف محمد بوبوش أن هذا التكتل يطمح إلى إيجاد بديل للاتحاد المغاربي، مع تعزيز موقف الجزائر في قضية الصحراء، عبر إدراج البوليساريو كدولة ضمنيا، إلا أن هذه الاستراتيجية تواجه عراقيل موضوعية، فليبيا وتونس تفضلان التركيز على الشراكات الاقتصادية بدل الانخراط في صراعات سياسية، بينما تلتزم موريتانيا الحياد لتفادي خسارة علاقاتها مع المغرب أو شركائها الأوروبيين، لذلك يظل هذا المشروع محدود التأثير ويفتقر إلى أسس واقعية.
وغير بعيد عن ذلك، أكد أستاذ العلاقات الدولية، أن اللقاء، الذي لم يسفر عن أي اتفاقات ملموسة، يُنظر إليه كجزء من حملة سياسية لتعزيز صورة الرئيس الجزائري قبيل الاستحقاقات الرئاسية المقبلة، وعليه، تسعى السلطة الجزائرية إلى تسويق هذا اللقاء داخليا باعتباره إنجازا دبلوماسيا، وإبراز تبون في صورة زعيم إقليمي قادر على فرض أجندته، في حين أن غياب أي ذكر رسمي للقاء في بيانات تونس أو موريتانيا أو ليبيا، وفق قراءة بوبوش، يشير إلى أن الرسالة كانت موجهة أساسا للداخل الجزائري أكثر من كونها خطوة عملية نحو بناء تحالف متماسك.
وأمام هذه المعطيات، أضاف بوبوش أن المغرب اعتبر الحدث مجرد “مناورة فاشلة”، ومحاولة لإحياء مشاريع وحدوية ميتة، خاصة وأن الرباط تواصل تحقيق اختراقات دبلوماسية وتنموية في إفريقيا، ولعل أبرزها المبادرة الملكية لربط المغرب بدول الساحل، إضافة إلى أن الجزائر تركز على دعم أطروحة الانفصال بدل الانخراط في حلول واقعية، مما يكرس مزيدا من الانقسام الإقليمي.
وبين الرمزية الإفريقية، والمناورة السياسية، والدوافع الداخلية، خلض المتحدث نفسه إلى أن لقاء الجزائر لم يكن حدثا اقتصاديا عاديا، بل خطة محسوبة تحمل رسائل خفية، إلا أن تأثيرها يظل محدودا بفعل حياد موريتانيا، وتحفظ تونس وليبيا، واستمرار المغرب في تعزيز حضوره الإفريقي بخطواته المتزنة، وعليه، يبدو أن المبادرة، وفق بوبوش، أقرب إلى حملة بروباغندا داخلية وإظهار رمزي للقوة، أكثر منها مسارا حقيقيا لإعادة تشكيل التوازنات في شمال إفريقيا.