مع اقتراب موعد الاستحقاقات التشريعية لسنة 2026، عادت مسألة إصلاح القوانين الانتخابية إلى صدارة النقاش العمومي، حيث بادرت الأحزاب السياسية إلى إعداد مذكراتها وتقديم مقترحاتها، في سياق وطني يؤكد على أهمية ضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية كشرط لترسيخ الثقة في المؤسسات التمثيلية، غير أن قراءة متأنية لهذه المذكرات تكشف، حسب مراقبين، أن مقاربتها ليست واحدة، وأن خلفياتها محكومة إلى حد كبير بحسابات حزبية وانتظارات انتخابية تختلف من موقع إلى آخر.
عبد الغني السرار، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالجديدة، أكد أن المعارضة جعلت من حياد الإدارة مطلبها المركزي، معتبرة أن هذا الشرط أساسي لضمان تنافس عادل بين القوى السياسية، في المقابل، يحرص الحزب الذي يقود الأغلبية على حماية مكتسباته ومراكمة نقاط القوة التي راكمها في التجربة الحكومية.
وأما فيدرالية اليسار الديمقراطي، اعتبر السرار في حديث مع “سفيركم”، أنها اختارت مسارا مغايرا، إذ انطلقت من تشخيص سياسي يعتبر أن البلاد تعيش تراجعا ديمقراطيا وتضييقا على الفضاء العام، ومن ثم طالبت بإحداث هيئة مستقلة للإشراف على جميع مراحل الانتخابات.
هذا التباين، وفقا للمتحدث نفسه، لا يقف عند حدود الفصل بين المعارضة والأغلبية، بل يمتد إلى داخل التحالف الحكومي نفسه فقد بدا واضحا أن بعض مكوناته، مثل حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة، لم تعد تكتفي بدور الشريك، بل تعبر عن طموحات لتصدر المشهد السياسي خلال الاستحقاقات المقبلة، وهو ما يعكس أن الرهانات لا تنحصر في الدفاع عن قواعد نزيهة للانتخابات، بقدر ما ترتبط أيضا بموازين القوى المنتظرة بعد 2026.
وفي هذا السياق، قال عبد الغني السرار إن ما نلاحظه هو أن كل حزب يحاول تأسيس مقترحاته انطلاقا من مصلحته الحزبية وموقعه في المشهد السياسي، فالمعارضة تركّز على نزاهة العملية الانتخابية وحياد الإدارة لتعزيز حظوظها، بينما الحزب الذي يقود الأغلبية يسعى للحفاظ على مكتسباته، في حين أن بعض أحزاب الأغلبية نفسها، مثل الاستقلال والأصالة والمعاصرة، باتت تطمح إلى تزعم الحكومة المقبلة، أما فيدرالية اليسار، فقد اختارت خطابا مختلفا ينطلق من تصور سياسي يعتبر أننا أمام تراجع ديمقراطي، ولهذا طالبت بإنشاء هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات. كل هذا يؤكد أن النقاش حول الإصلاحات ليس مسعى جماعيا لترسيخ الديمقراطية بقدر ما هو صراع مصالح وانتظارات انتخابية.
وخلص السرار في قراءته إلى أن الإصلاح الحقيقي يقتضي توافقا وطنيا يعلو على الحسابات الظرفية، ويجعل من تعديل القوانين الانتخابية مدخلا لإعادة بناء الثقة بين الناخبين والأحزاب، بدل أن يتحول إلى مجرد آلية لتقوية هذا الطرف أو ذاك في معركة سياسية مؤقتة.