أقر الوزير الجزائري الأسبق نور الدين بوكروح، بأن المغرب “ربح المعركة” في قضية الصحراء المغربية، لأنه عرف كيف يوازن بين الجرأة والذكاء”، مشيرا إلى أن بلاده أخطأت التقدير ولم تُحسن قراءة الواقع الإقليمي والدولي المحيط بهذا الملف.
وأوضح بوكروح، في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية على منصة “الفايسبوك”، بعنوان “الصحراء: هكذا ولا أكثر”، أن ليلة الأول من نونبر 2025 كانت من أسوأ الليالي التي عاشها الجزائريون منذ الاستقلال، بسبب ما وصفه بـ”شعور الهزيمة ذات الصدى العالمي”، بعد التصويت بالإجماع في مجلس الأمن لصالح مقترح الحكم الذاتي المغربي، دون أن تعارض أي دولة هذا الخيار، بما في ذلك الجزائر نفسها.
وأضاف الوزير الأسبق أن ما حدث يمثل “إدانة دولية” لسياسة الجزائر في هذا الملف، معتبرا أن المغرب استطاع أن يحقق مكاسب دبلوماسية متراكمة بفضل رؤية استراتيجية بعيدة المدى، استطاعت أن تمزج بين الجرأة في الفعل والذكاء في التوقيت.
وقال: “لَقَدِ افْتَقَرْنَا نَحْنُ وَجَبْهَةُ الْبُولِيسَارْيُو إِلَى الْبصيرة فِي هَذَا الْمَلَفِّ الَّذِي لَعِبَ فِيهِ الذَّكَاءُ وَالشَّجَاعَةُ دَوْرًا حَاسِمًا. وَأَنَا لَا أَقْصِدُ شَجَاعَةَ التَّهَوُّرِ الْمُنْتَشِرَةَ لَدَيْنَا (الـ«زَدَّامِيَّةُ»)، وَلَا قصر النَّظَرِ (مِنْ خِلَالِ مَا يُسَمَّى «الْبُوعوِينَةَ») الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَى أَنَّهَا قِمَّةُ الْبَصِيرَةِ. إِنَّمَا أَقْصِدُ الْقُدْرَةَ عَلَى اسْتِبَاقِ الأَحْدَاثِ وَتَحْلِيلِ الأَسْبَابِ وَنَتَائِجِهَا تَحْلِيلًا سَلِيمًا”.
وأضاف أن “المغرب ربح المعركة لأنه عرف كيف يوازن بين الجرأة والذكاء، تبعا لما تقتضيه الظروف والفرص”، مشيرا إلى أن فكرة “المسيرة الخضراء” كانت في حينها ابتكارا عبقريا في أساليب التحرير السلمي للأراضي، رغم أن البعض اعتبرها في البداية فكرة “مجنونة”، لكنها أثبتت لاحقا نجاعتها بعد أن تم تنفيذها دون إطلاق ولو رصاصة واحدة.
وأشار بوكروح إلى أن المغرب، بعد تلك الخطوة، سارع إلى تسوية وضعه عبر التفاوض مع إسبانيا وموريتانيا، ما أسفر عن توقيع اتفاق مدريد، الذي وزع المسؤوليات بين الأطراف الثلاثة، معتبرا أن تلك المرحلة كانت بداية تشكل ميزان القوى الجديد في المنطقة.
وأوضح الوزير السابق أن المغرب واصل لاحقا بناء استراتيجية طويلة الأمد، إذ قام بتحصين مناطقه الجنوبية عبر بناء “جدار الرمال”، وفتح في الوقت نفسه مفاوضات مع جبهة البوليساريو لإجراء استفتاء، مدعيا أن المغرب كان يعمل على جعل هذا الخيار “مستحيلا”، عبر نقل سكان مغاربة إلى أقاليمه الجنوبية.
وتوقف بوكروح عند سنة 2007، حين قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي تحت سيادته إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة، كحل للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، منتقدا فشل البوليساريو في تقديم ما أسماه بـ”البديل” أو “الخطة المضادة”، مضيفا أن المغرب اشتغل في تلك المرحلة على توسيع دائرة الدعم الدولي لمبادرته، إلى أن أصبحت تحظى بتأييد أغلبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
وفي سياق حديثه عن التحولات الدبلوماسية الأخيرة، أشار بوكروح إلى أن قرار الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء شكل تتويجا لتلك الجهود، لافتا إلى أن أزيد من ثلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعترف بمغربية الصحراء.
كما اعتبر أن تصويت مجلس الأمن الأخير بالإجماع على قرار يعترف بمصداقية مقترح الحكم الذاتي المغربي، يمثل نقطة تحول تاريخية في مسار القضية، مشددا على أن “الجرأة والذكاء المغربيين” أثمرا عن انتصار سياسي ودبلوماسي غير مسبوق.
وقال في هذا الصدد: “وَأَمْسِ، رَأَى الْمَغْرِبُ جُرْأَتَهُ وَحِسَّهُ بإقتناص بِالْفُرَصِ يُكَافَآنِ بِتَصْوِيتٍ بِالإِجْمَاعِ فِي مَجْلِسِ الأَمْنِ يَعْتَرِفُ بِمِصْدَاقِيَّةِ «خُطَّةِ الْحُكْمِ الذَّاتِيِّ» الْمَغْرِبِيَّةِ، مَعَ تَرْكِ هَامِشٍ ضَئِيلٍ لِلطَّرَفِ الآخَرِ لِإِيجَادِ حَلٍّ يُرْضِي الْجَانِبَيْنِ”.
ودعا الوزير الأسبق جبهة البوليساريو إلى مراجعة مواقفها، مبرزا أن الجمود والتصلب لن يكونا في صالحها، زاعما أن الحل الممكن اليوم يوجد، حسب تعبيره، “بين أكثر من الحكم الذاتي، وأقل من الاستقلال”، داعيا الجزائر إلى حماية حدودها في القادم من السنوات.