بورتريه: سيباستيان لوكورنو.. الجندي المخلص الذي يراهن عليه ماكرون في قلب العاصفة

marocain
8 Min Read

في لحظة حاسمة من تاريخ الجمهورية الخامسة، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الثلاثاء أن يضع مستقبله السياسي على المحك، حين اختار وزير الدفاع سيباستيان لوكورنو لخلافة فرانسوا بايرو في رئاسة الحكومة، بعد استقالة الأخير إثر حجب الثقة عنه في الجمعية الوطنية.

جاء هذا التعيين في ظل أزمة سياسية ومالية خانقة، فيما تستعد النقابات والتيارات اليسارية الراديكالية لحراك احتجاجي واسع تحت شعار “لنغلق كل شيء”، يهدد بشل البلاد ابتداء من يوم الأربعاء.

وبين رهانات الاستقرار ومخاطر الانفجار الاجتماعي، يبرز السؤال: هل سيكون لوكورنو رجل المرحلة القادر على تهدئة الشارع وقيادة فرنسا نحو بر الأمان؟

ولد سيباستيان لوكورنو عام 1975 في مدينة تولوز، وسط أسرة محافظة غرست فيه قيم الانضباط والخدمة العامة، منذ سنواته الأولى أظهر ميلا واضحا للعمل العام، وهو ما دفعه لاختيار دراسة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في كبرى الجامعات الفرنسية، بعد مسار متدرج في الإدارة العامة، سرعان ما توجه نحو السياسة الدفاعية، ليصبح أحد أبرز خبراء الاستراتيجية العسكرية في فرنسا.

في عام 2022، أسند إليه ماكرون حقيبة وزارة الدفاع خلفا لفلورانس بارلي، ليصير أصغر وزير دفاع في تاريخ الجمهورية، حيث في فترة وجيزة برز بقدرته على إدارة ملفات حساسة، أبرزها تحديث القوات المسلحة وتعزيز التعاون الأوروبي في مجالات الأمن والدفاع، ووصفه محللون سياسيون بأنه “مهندس استقرار داخلي وخارجي”، فيما أطلق عليه مقربون من ماكرون ألقابا تعكس وفاءه مثل “أمين الرئيس” و”الجندي المخلص”، من ناحية أسلوبه الهادئ الحاسم، وقدرته على الجمع بين الحوار والصرامة، جعلاه أحد السياسيين القلائل القادرين على الموازنة بين الدبلوماسية والحزم عند اتخاذ القرارات المصيرية، خصوصا تلك المتعلقة بالأمن القومي ومصالح فرنسا في الخارج.

في خضم الأزمات المتتالية الحكومية، كان لوكورنو، البالغ من العمر تسعة وثلاثين عاما، الوزير الوحيد الذي ظل في مواقع المسؤولية بشكل متواصل منذ وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه عام 2017، قبل أن يجد نفسه الآن على رأس الحكومة بعد أن أطاح تحالف يجمع اليمين المتطرف واليسار بفرانسوا بايرو، عقب فشله في تمرير إصلاحاته المالية المثيرة للجدل عبر اقتراع الثقة.

يعد لوكورنو، العضو السابق في حزب “الجمهوريين” اليميني الوسطي، من أبرز الداعمين لخط ماكرون في تعزيز القوة العسكرية لفرنسا، سواء عبر رفع ميزانية الجيش أو الانخراط النشط في الدفاع عن أوكرانيا.

علاوة على ذلك، أن صلاته الودية مع شخصيات في اليمين المتطرف، مثل زعيمة “التجمع الوطني” مارين لوبان، قد تمنحه مساحة إضافية للمناورة في مفاوضات الموازنة المقبلة.

ومن المتوقع أن تشكل موازنة 2026 أول اختبار حقيقي له على رأس الحكومة، إذ سيكون مطالبا بإعادة صياغتها بسرعة لتفادي مصير أسلافه، وتأمين توافق سياسي ولو محدود مع خصوم ماكرون.

وفي هذا التعيين، يقرأ المراقبون خطوة استراتيجية من الرئيس الفرنسي، الباحث عن تعزيز الاستقرار وسط احتجاجات شعبية متصاعدة وتحديات اقتصادية متتالية، وبينما يراهن ماكرون على ولاء لوكورنو وانضباطه، في حين يبقى السؤال مفتوحا: هل سينجح “الجندي المخلص” في فرض إيقاعه على المشهد السياسي المضطرب، أم أن الشارع سيواصل تهديد توازن الدولة؟

وفي هذا السياق، قال هشام معتضد، الخبير الاستراتيجي في الشؤون السياسية والعسكرية في حديث خص به موقع “سفيركم” الإلكتروني إن تعيين وزير الدفاع السابق سيباستيان لوكورنو رئيسا للوزراء يعكس قبل كل شيء خيار “الوفاء قبل الكاريزما”.

وأفاد معتضد بأن ماكرون يراهن على رجل أثبت ولاءه المطلق ولم يشكل أي تهديد رمزي لسلطته، وهو ما يحتاجه رئيس في مأزق برلماني هش، قائلا: “لوكورنو ليس زعيما جماهيريا، بل تكنوقراط سياسي قادر على إدارة الملفات من خلف الستار من دون الدخول في منافسة مع الرئيس”.

وشدد معتضد على أن هذا الاختيار يبعث رسالة واضحة إلى النخبة الفرنسية، مفادها الاستمرارية في الملفات الحساسة، خصوصا الدفاع، بدل المغامرة السياسية الجديدة.

وأوضح معتضد أن ماكرون يريد شخصية قادرة على التفاوض مع جميع الأطراف وتثبيت الاستقرار، حتى لو كان ذلك عبر حلول وسط محدودة المدى، مؤكدا أن التعيين يعكس إدراك ماكرون أن المرحلة تتطلب مديرا للأزمات أكثر مما تتطلب زعيم رؤية، ليكورنو يمثل الاستمرارية والانضباط، مما يجعل الحكومة أشبه بـ “غرفة عمليات” أكثر منها ساحة استعراض سياسي.

وأبرز معتضد أن خبرته في وزارة الدفاع ستعطي أولوية واضحة للأمن القومي والملفات الجيوستراتيجية، لن تكون الحكومة حكومة إصلاحات اجتماعية جذرية، بل حكومة إدارة المخاطر، سواء كانت داخلية مثل الإرهاب والأمن الحضري، أو خارجية مثل أوكرانيا والساحل الإفريقي.

وأردف معتضد، ان وجوده على رأس الحكومة سيجعل الثقافة الاستراتيجية العسكرية تسرب إلى مختلف الوزارات، مع التركيز على المرونة، تعبئة الموارد، والتخطيط بعيد المدى، حتى في ملفات الاقتصاد أو الصحة، حيث قد يظهر ميل إلى منطق الجاهزية أكثر من الإصلاح البنيوي.

وأشار معتضد إلى أن خبرته الدفاعية تمنحه شبكة أوروبية قوية، خصوصا مع ألمانيا وشركاء صناعة السلاح، مما قد يفتح الباب لسياسات صناعية أكثر جرأة بحجة تعزيز السيادة الوطنية.

وأعرب معتضد إن الصرامة في السياسة الداخلية ستترجم أساسا في إدارة التوازنات البرلمانية، فلوكورنو مفاوض عنيد أكثر من كونه خطيبا، وهذا يعني تكتيك شد وجذب، حيث يقدم تنازلات صغيرة لكنه يحافظ على الخط العام لماكرون، قائلا: أن الصرامة الخارجية واضحة أيضا حيث وجود وزير دفاع سابق على رأس الحكومة يعطي إشارة للحلفاء والخصوم بأن فرنسا تعتبر نفسها قوة أمنية أوروبية، مشددا على أن الحزم الخارجي لا يعني المغامرة، بل أقرب إلى “انضباط استراتيجي”.

وأضاف معتضد على غياب الأغلبية البرلمانية، ما يجعل أي قرار أو إصلاح يحتاج إلى مفاوضات شاقة مع المعارضة، سواء الاشتراكيين أو اليمين، مع خطر ابتزاز سياسي دائم، مؤكدا أن التحدي الاقتصادي والاجتماعي، مثل التضخم وتآكل القدرة الشرائية، سيجبر لوكورنو على معالجة يوميات المواطن، وهو مجال ليس من اختصاصه..مؤكدا أن التحدي الثالث يتمثل في إدارة الملفات الخارجية الملتهبة، مثل أوكرانيا والساحل، مع التوفيق بين الطموح الفرنسي وحدود القدرات السياسية والمالية.

قال معتضد إن تعيين وزير دفاع سابق يرسل رسالة طمأنة إلى الحلفاء الأوروبيين، مفادها أن فرنسا لن تتراجع عن التزاماتها الدفاعية، وسيستمر الدفع بأجندة “السيادة الأوروبية” في التسليح والطاقة. وأضاف أن باريس ستعتمد سياسة أقل خطابية وأكثر عملية في المتوسط وإفريقيا، مع التركيز على أدواتها العسكرية والاستخباراتية، مما قد يعيد التوازن مع شركاء مثل المغرب والجزائر ودول الساحل. وأفاد معتضد أن التعيين يعكس أيضًا تقاربًا مع منطق الأطلسيين، حيث ستظل فرنسا ركيزة في الردع الأوروبي لكنها ستحاول التمسك بهامش من الاستقلالية.

وأكد معتضد في حديثه لـ ” سفيركم” ان النهج الماكروني لن يتغير جوهريا، لكنه سيتحول من خطاب طموحي أحيانا إلى إدارة أكثر هدوءا وواقعية.

وفي هذا الصدد ردد قائلا:” لوكورنو سيتحرك كمدير ملفات، مع تعزيز الصناعات الدفاعية والاستثمار في التكنولوجيا المرتبطة بالأمن والسيادة الوطنية. لا يمكن توقع ثورة سياسية، بل إعادة ضبط تكتيكية لتقليل الاحتكاك السياسي الداخلي ولو مرحليا”

Share This Article