في الوقت الذي تكثف فيه الجزائر تحركاتها في محاولة لإقحام موريتانيا نحو ما تسميه “تحالفا مغاربيا جديدا” يستثني المغرب، من خلال الضغط الدبلوماسي عبر القنوات الرسمية، والدعوات المكثفة إلى لقاءات سياسية مشتركة، والمبادرات الاقتصادية والإعلامية الرمزية، تبدو نواكشوط أكثر ميلا إلى نهج مغاير يقوم على البراغماتية الاقتصادية والتعاون الاستراتيجي مع الرباط في مجالات واعدة كالطاقات المتجددة والكهرباء، بما يعزز موقعها كجسر بين شمال إفريقيا وعمقها الإفريقي جنوب الصحراء.
وأمام ذلك، يرى بعض المحللين أن هذا الامتياز لا يروق لدولة الجوار، التي باتت تعاني من قيود داخلية مكشوفة أمام العالم، لتظهر مؤشرات اليأس أمام المسار المعبد الذي يخطوه المغرب بثبات، ما جعلها تواجه عزلة متزايدة تسعى بهذه التحركات لكسر طوقها.
الدكتور شرقي خيطار، الباحث في العلوم السياسية والإعلام، يرى أن التحركات الجزائرية “غير مفاجئة بالمطلق” إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما تطرحه الأحداث والقضايا من محاولات خلق تحالف مغاربي هدفه الأساسي تحويط المغرب، وأوضح أن هذه الاستراتيجية يمكن تفسيرها ضمن ما يُعرف بمفهوم Pivot State، أي محاولة الهيمنة وبسط النفوذ، معتبرا أن الجزائر “تعاني اختلالات واضحة بين طموحها لفرض الهيمنة وواقع قدراتها على تحقيق التوازن”، وهو ما يجعل النتيجة الحتمية برأيه، “الفشل والإفلاس السياسي”.
وأضاف خيطار في تصريح خص به “سفيركم”، أن الغاية النهائية للجزائر من وراء هذا التوجه هي دفع موريتانيا للتخلي عن الحياد الإيجابي في ملف الصحراء، مبرزا أن نواكشوط “واعية بمصالحها الحقيقية، وعلاقاتها مع المغرب ليست وليدة اللحظة، بل هي علاقات تاريخية ممتدة قائمة على الروابط الثقافية والروحية والاجتماعية العميقة، فضلا عن الجغرافيا المشتركة والتكامل الاقتصادي الكبير”.
وفي السياق ذاته، أكد الباحث أن المغرب اليوم يعد أول مستثمر إفريقي في موريتانيا، وأن هناك تبادلا وثيقا بين البلدين يشمل القضايا السياسية والأمنية والعسكرية، إلى جانب اللجان المشتركة التي تعقد بشكل دوري لمعالجة الملفات الثنائية.
كما أشار إلى أن هذا التعاون تعززه خطوات ملموسة على الأرض، مثل فتح ستة معابر حدودية جديدة إلى جانب معبر الكركرات، وهي معبر اتميمشات/تيشلا جنوب الصحراء المغربية، والگلب/الزويرات، وافديرك/بلدة أوسرد، واتواجيل/أگونيت، والشكات قرب افديرك، وعين بنتيلي/بير لحلو، وبئر أم گرين/السمارة، إضافة إلى معبر الكركرات الحيوي للتجارة الدولية.
ووفقا لخيطار، فإن هذه الدينامية تتعزز كذلك عبر التبادل الثقافي والإعلامي، كما برز خلال تنظيم “الأيام المغربية” بنواكشوط، فضلا عن الزيارات المتبادلة بين الهيئات السياسية والعسكرية في البلدين.
وتعليقا على التطور الأبرز في العلاقات المغربية–الموريتانية، قال خيطار إنه انخراط نواكشوط الجدي والفعلي في المبادرة الأطلسية التي أعلنها الملك محمد السادس في نونبر 2023، والتي أحدثت –بحسب المحلل– “تحولا جيوسياسيا مهما” قائمًا على تعزيز التكامل الإقليمي والتنمية المشتركة.
هذه المبادرة، حسب خيطار، “ستعود بفوائد اقتصادية واستراتيجية كبيرة، من بينها زيادة حجم التجارة وفرص الاستثمار، وتطوير البنية التحتية، خاصة عبر مشروع ميناء الداخلة وخط أنابيب الغاز، إلى جانب دعم جهود محاربة الجريمة العابرة للحدود ومواجهة التهديدات الأمنية غير التقليدية في منطقة الساحل والصحراء”، لافتا إلى استفادة موريتانيا من الخبرة المغربية في مجالات متعددة أيضا، من بينها القطاع المالي، البنيات التحتية، ومحاربة الإرهاب.
وبناء على هذه المعطيات، خلص خيطار إلى أن نواكشوط اختارت البراغماتية والتعاون الاقتصادي مع المغرب بدل الانخراط في تحالفات سياسية رمزية لا تحقق لها مكاسب ملموسة، معتبرا أن مستقبل التوازنات الإقليمية سيتشكل أكثر فأكثر حول محور الرباط–نواكشوط، كنموذج عملي للتكامل المغاربي القائم على المصالح المشتركة، بدل المناورات الدبلوماسية قصيرة الأمد.