في وقت يزداد فيه الاهتمام بمصداقية الأرقام والسياسات الحكومية، يظل الحديث عن حصيلة الإنجازات الحكومية مسألة حساسة للغاية، فقد حاول رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، من خلال برنامج خاص على القناتين الأولى والثانية، تقديم حصيلة أربع سنوات من عمل الحكومة واستعراض أولويات السنة الأخيرة من ولايته، مع التركيز على الملفات الكبرى التي تتقاطع فيها القضايا الاجتماعية والاقتصادية، إلا أن هذه الخطوة لم ترق إلى توقعات الخبراء، الذين رأوا أن الخطاب لم يقدم أرقاما وإحصاءات قوية تعكس واقع الإنجازات، مما يطرح تساؤلات حول مصداقية الحكومة لدى الرأي العام.
الكاتب والمحلل السياسي، بلال التليدي، أكد أن استخدام رئيس الحكومة للأرقام والإحصائيات في خطابه كان ضعيفا ومحدودا، وأن هذه الأرقام لم تتناسب مع الرسالة التي أراد توجيهها، وقال إن المفروض أن تأتي هذه البيانات لتدعم فكرة تحقيق نسبة كبيرة من أهداف البرنامج الحكومي، لاسيما في القضايا الكبرى مثل التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، لكنها جاءت ضعيفة ولا تبين أي تطور ملموس في هذه المجالات.
وأضاف التليدي في تصريح لـ”سفيركم”، أن خطاب المعارضة كان أقوى في النقد مستندا إلى أرقام دقيقة، خصوصا فيما يتعلق بملفات الحماية الاجتماعية، وإلغاء بعض البرامج مثل “تيسير” و”راميد”، وما نتج عن ذلك من تراجع عدد المستفيدين، بالإضافة إلى إشكالات مشروع مدارس الريادة الذي يكرس الفوارق المجالية وعدم العدالة في توزيع الفرص التعليمية.
وأشار المحلل السياسي إلى أن تضارب الأرقام يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على مصداقية الحكومة لدى المواطنين، حيث أن رئيس الحكومة بدا عاجزا عن توفير طاقم فني كفء لإعداد البيانات الأساسية، ما أدى إلى ارتباك واضح، خاصة في إحصاءات قطاع المواشي، وهو ما قد يوحي بوجود تضارب مصالح أو محاولات لتقديم أرقام غير دقيقة لدعم مصالح لوبيات معينة داخل التحالف الحكومي.
وفي السياق ذاته، أوضح التليدي أن خطاب أخنوش يعكس هشاشة واضحة في التواصل السياسي، بعيدا عن أي استراتيجية واضحة، مؤكدا أن توقيت اللقاء الإعلامي كان غير مقنع، وأن الحصيلة كان ينبغي أن تُعرض أولا في البرلمان قبل توجيهها للرأي العام، ولفت إلى أن الحكومة ظلت صامتة طويلا أمام ضربات المعارضة في ملفات متعددة، مثل تنازع المصالح في محطة تحلية المياه، وصفقة تزويد الكتب الوطني بالمحروقات، والفضائح المرتبطة بالسجل الاجتماعي وعدم تعميم الحماية الاجتماعية، إضافة إلى إحصاءات المواشي المغلوطة.
من جهة أخرى، أبرز التليدي أن رئيس الحكومة عجز عن تقديم صورة السياسي المشتبك مع واقع بلاده وانتقادات الرأي العام، واكتفى بتكرار عبارة عامة تقول إن “الكل سعيد بما قدمته الحكومة”، وهي عبارة لم تعد تجدي نفعا في مجتمع يطالب بالشفافية والوضوح في الخطاب السياسي، وأكد أن طبيعة النخب الحاكمة المهيمنة على القرار السياسي في المغرب، والتي تنتمي إلى عالم المال والأعمال، تلعب دورا في هذا الفشل، إذ اعتادت هذه النخب الحديث من أعلى والدفاع عن مصالحها بعيدا عن لغة الخطاب السياسي الواضح والمباشر مع الجماهير.