انتشرت صور وفيديوهات لعبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ومحمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، وهما يذرفان الدموع خلال فعاليات حزبية، مثيرة جدلا واسعا بين متتبعي الشأن السياسي، ولا سيما أن ذلك يأتي في وقت تتصاعد فيه احتجاجات شبابية تقودها مجموعة “جيل زد”، تعبيرا عن استياء متنام من تردّي الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم، لتتباين الرؤى بين من اعتبر دموع القياديين انعكاسا صادقا لتعاطف حقيقي مع هموم المواطنين، وبين من رآها إيماءات محسوبة في لعبة السلطة، وتكتيكا سياسيا لاستمالة الأصوات قبل الإنتخابات المقبلة.
وفي رد ساخر، قالت سلامة مايسة سلامة الناجي، المرشحة المفترضة ضمن حزب التقدم والاشتراكية: “سمحوا لينا! الإخوان راه الحملة الانتخابية بدات.. واليوم بنكيران وأوزين بكاو على احتجاجات الشباب.. وخصني حتى أنا نبدا نبكي… ما تسكتونيش”، كاشفة، حسب مهتمين، عن يقظة المواطنين تجاه كل حركة محسوبة في معترك السياسة.
وفي هذا السياق، قال الحقوقي والباحث، سعيد ألعنزي تاشفين، إن عبد الإله بن كيران، زعيم حزب العدالة والتنمية، يعتمد بشكل مستمر على لغة الجسد للتواصل غير اللفظي، مستخدمًا الإشارات والإيماءات للدفاع عن نفسه وحزبه، خاصة أمام مناصريه المعروفين بـ”المريدين”، واعتبر ألعنزي تاشفين أن هذا الأسلوب يجعل البكاء جزءًا متكررًا من سلوك بن كيران وبعض قياديي حزبه، كما هو الحال مع السيد الأزمي.
وأشار ألعنزي تاشفين، في تصريح لـ”سفيركم”، إلى أن محمد أوزين، زعيم حزب الحركة الشعبية، استحضر بدوره والدته أثناء حديثه عن الوضع الصحي في البلاد، لتسليط الضوء على إخفاقات القطاع الصحي العام والخاص، وفي الوقت نفسه عبّر عن تضامنه النفسي مع أطفال قريته الجبلية بالأطلس المتوسط، مقارنًا وجدانياً بين معاناتهم وفلذات كبده.
وأمام هذا الوضع، تساءل ألعنزي تاشفين: فهل من حق سياسيين كبيرين؛ الأول كان رئيسا للحكومة، وهو الذي خرب صندوق المقاصة، ومأ سس التسول، ورفع أسعار الطاقة بلا خجل، أن يعتمد لغة الجفون بديلا عن “فشله” في بناء مشروع مجتمعي بخلفية إسلامية، والثاني كان وزيرا مشهودا له بـ”مول لكراطة ” في حزب شارك في جل حكومات المغرب ما بعد الاستقلال، دون أن يحقق العدالة الإجتماعية المنتظرة ، ليحلاّ معا علينا بخطاب عاطفي سيكولوجي يدغدغ عواطف “المريدين”، بمنأى عن بناء محجاجة سياسية قوية تعتمد على لغة سياسية دقيقة.
وأضاف الحقوقي والباحث، “ولأن الدموع بيولوجيًا ترطب العيون، فقد تكون دموع ابن كيران ومحمد أوزين مجرد ترطيب لخاطر المجتمع، سعيًا إلى كسب رضا القلوب المترهلة، في معرض فعل سياسي هش يفتقر إلى أطاريح سياسية ومرجعيات إيديولوجية عميقة”. وعليه، يردف ألعنزي تاشفين متسائلًا: “فهل تكفي الدموع مرطبًا لآهات السواد الأعظم من المغاربة، الذين يطلبون فقط مستشفيات منصفة وأنظمة تعليمية لا تنتج الجهل المؤسس الذي يهدر ذكاءات أبنائهم المتعددة؟” بالطبع لا تكفي على حد قوله، وهذا “ما يميط اللثام عن اندحار الخطاب السياسي نحو الشعوبية الفجة، ومتاهات اللاجدوى، وتشظي المعنى”كما قال الباحث .
وغير بعيد عن ذلك، أكد ألعنزي تاشفين “أن تحليل سلوك البكاء تحت أضواء الكاميرات مطلوب سيميولوجيا، ذلك أن ما يعيشه المغاربة من ازدراء حقهم في العيش الكريم لا يقبل المعالجات الوجدانية بمنطق المتصوفة من خلال استعمال الدموع مكان المرافعات الديمقراطية الحقيقية، فالأجدر بناء معارضة قوية باسم حزبين معارضين هما العدالة والتنمية والحركة الشعبية، عوض إنتاج خطابات شعبوية متكررة تتهاوى إلى مدارك “الدَّروشة”، وتنتج أتباعا متخاذلين لا مواطنين مستقلين في ممارسة لعبة الفهم والتدافع ثم التموقع”.
فالتحليل الملموس للواقع الملموس، حسب تعبير الحقوقي، يقتضي رجال سياسة أشداء يضعون قواعد ثابتة لمشاريع مجتمعية قوية تساهم في دمقرطة الدولة والمجتمع، بدل أن “تُمسرح الدموعُ السياسةَ لخلق تراجيديا سيزيفية مبتذلة في الإخراج كأننا في مأثم بيزنطي قديم”، وبناء عليه، “فدموع محمد أوزين وتسابيح و” فوقية وعكاز ” بن كيران تجل مباشر لأزمة السياسة في هذا الوطن العزيز” .
وفيما يخص العلاقة بين البكاء كظاهرة واستمالة المواطنين، يرى ألعنزي تاشفين أن بكاء الساسة ليس ظاهرة بالمعنى الفينومينولوجي، إذ تشترط امتداد نفس الفعل في الزمان والمكان، وعليه، فالدموع تلازم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية والأمين العام لحزب الحركة الشعبية كما رُصد في مداخلته الأخيرة؛ ولا تكاد تطال ساسة آخرين، ومن منظور سوسيولوجي، يعتبر ألعنزي تاشفين أن الدموع تشكل لغة تواصل اجتماعي غير لفظي، مشتركة ، وذات تأثير خاص لدى الطبقات الشعبية، وهي آلية للضبط الاجتماعي، كما أن لها تأثير قوي على النساء ضمن بنية اجتماعية بطرياركية، وتصبح أداة لترتيب التوازن في محك السلطة الرمزية، في سياق سوق دلالية تفتقد للغة العقل والمنطق الكارتيائي المطلوب.
وأوضح المتحدث نفسه، أن دموع كل من بن كيران ومحمد أوزين يجب أن تقرأ كسلوك رمزي غير بريء سياسيا ما دامت النوايا لا تغري التحليل، ذلك أن الزعيم السياسي قبل حضور لقاء سياسي أو نشاط حزبي يرتّب نفسه وفق خطة معدة سلفا، وطبعا يحصل الإرتجال باعتماد لغة الجسد وضمنه لغة الأعين بما يعكس التماهي مع معايير الجماعة وقيمها، وهي بذلك تؤدي أدوارا في التواصل والضبط والتضامن وإعادة إنتاج السلطة والرموز؛ ثم البحث عن مكانة في الوجدان العام من مدخل الذكاء العاطفي والتكتيك الوجداني.
وبالتالي، يرى ألعنزي تاشفين أن دموع الساسة تشكّل تكتيكًا لإنتاج خطاب الضحية، متسائلًا: “هل يبكي بن كيران لأنه يشرئب إلى الثوبة من معاصيه، مثل مساسه بمقدّرات الشعب عبر نسف صندوق المقاصة؟ أم لأنه سبق أن وصف الموظفين بـ”لݣراد”؟ أم يبكي على معاش الحضوة الذي يتجاوز راتب بعض رؤساء الدول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا؟ أم يبكي بحثًا عن التضامن من جمهور المريدين، سعيًا لكسب الأصوات في انتخابات 2026؟”
كما تساءل عن محمد أوزين: “هل دموعه تعكس مسار حزب قضى معظم عمره السياسي في تدبير شؤون المغاربة دون إنصاف و بلا جدوى، أم أنها مجرد انجراف سيميولوجي وأنثروبولوجي يحول السياسة إلى محراب للتصوف البراغماتي المبتذل، حيث يصبح الزعيم السياسي حلّاجًا للسياسة، يوظف الدمع للتطهير من الذنوب والخضوع أمام المطلق التيولوجي، وبالتالي طلب الدعم والمساندة من فئة تنصره؟”
وخلص الباحث ألعنزي تاشفين إلى أن جل الطبقة السياسية بالمغرب لم تعد تنتج خطابات سياسية قوية تستند إلى مرجعيات إيديولوجية واضحة، ولا تؤسس لأطاريح سياسية دقيقة، وأضاف: “أصبحنا، من جهة، أمام طبقة سياسية تحتكر سلطة المال والإقتصاد، ثم تسللت نحو السياسة لشرعنة النفوذ والتفرد الأوليغارشي وفق مطامح الباطرونا المستحوِذة. ومن جهة أخرى، أمام طبقة سياسية تحاول احتكار ولاء الفقراء والمعذبين في الأرض، تارة باسم خلفية أخلاقوية توظف قضية فلسطين وأخلاق المغاربة لنسف دفوع الخصوم من باطرونا النفود والإقتصاد، وتارة أخرى تنطلق من البنية القبلية والعشائرية لدغدغة الوجدان العام بهدف التموقع في علاقات الإنتاج السياسي في هذه السوق الإنتخابية المريضة، والتي تستحق علاجًا عاجلًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في زمن المغرب السياسي”.