بعد 60 سنة على اختطافه.. كتاب فرنسي يرفع الستار عن أسرار جديدة ويكشف كيف اغتال الدليمي بنبركة بمساعدة الموساد

marocain
7 Min Read

في كتاب يرتقب صدوره نهاية أكتوبر الجاري بعنوان “قضية بن بركة: نهاية الأسرار” عن دار النشر الفرنسية غراسيه، تزامنا مع ذكرى اختطاف المهدي بنبركة، يعود الصحفيان ستيفن سميث ورونين بيرغمان إلى واحدة من أكثر القضايا السياسية إثارة في القرن العشرين: اختطاف واغتيال المعارض المغربي المهدي بن بركة في قلب باريس سنة 1965.

الكتاب، الواقع في 576 صفحة، يكشف وثائق ومراسلات سرية لم تُنشر من قبل، ويقدّم رواية مفصلة عن الدور الذي لعبه الموساد الإسرائيلي في العملية، بالتنسيق مع جهاز الأمن المغربي خلال فترة حكم الملك الحسن الثاني.


المقاطع التالية، المقتبسة من الكتاب، تروي بدقة مروعة كيف كان الإسرائيليون في الصفوف الأمامية إلى جانب المغاربة، في جريمة تحوّلت إلى قضية دولة.

في مساء الثاني من نوفمبر 1965

بعد أربعة أيام على اختطاف بن بركة، كان أحد عملاء الموساد، يُعرف بالاسم الحركي “آتار”، يتجول بين متاجر الأدوات المنزلية في باريس، يحمل قائمة طويلة من المشتريات.

كان يشتري بضعة أشياء في كل مرة كي لا يثير الشبهات — تعليمات صارمة تمنعه من طرح الأسئلة أو إطالة الحديث مع أي بائع.

بعد أن اشترى من بعض المحلات الصغيرة، قصد المتجر الكبير “إينو-بي جوت” (اختصاراً لـ “الابتكار” و”بيل جاردينيار”)، أول متجر في باريس يجمع بين المواد الغذائية والملابس والأدوات المنزلية. هناك، بجوار متجر لا ساماريتين على ضفاف السين، أكمل مشترياته.

في صندوق سيارته، وُضعت الأدوات التالية: مجرفتان قُصّرت قبضتاهما إلى 80 سم لتسهيل إخفائهما داخل حقيبة كبيرة من القماش. فأس، مصباحان كهربائيان، مفك براغي، وكماشة.

والمساحة المتبقية في الحقيبة مُلئت بـ خمسة عشر كيساً من الصودا الكاوية (هيدروكسيد الصوديوم)، مادة تُستعمل عادة لتنظيف الأنابيب، لكنها قادرة على إذابة اللحم البشري، ما يجعل اقتناء كميات كبيرة منها أمراً يثير الريبة.

عند التاسعة ليلاً تقريباً، سلّم “آتار” وعميل آخر يُدعى “راحيم” الحقيبة إلى شقة في سان-كلو غرب باريس — وهي “الوكر” الذي كان الموساد قد استأجره منذ 5 أكتوبر لإيواء عناصر من فرقة الأمن الوطني المغربي الخاصة (Cab 1).

لم يكن هذا المكان قد استُعمل من قبل، ولم يتسلم أحمد الدليمي، نائب مدير الأمن المغربي، عنوانه ومفاتيحه إلا ذلك اليوم.

بعد أن غادرا الشقة بهدوء، انتظرا تحت مدخل قريب. وبعد نحو ربع ساعة، وصل تاكسي تقلّ منه شخصيتان مغربيتان، اتجهتا نحو المبنى رقم 26. وبعد دقائق، خرج الرجلان حاملين الحقيبة ووضعاها في صندوق السيارة التي انطلقت مجدداً. تمّ التسليم بنجاح: “الأدوات” وصلت إلى أصحابه.

لقاء في مقهى قرب الشانزيليزيه

في الساعة 22:00، كان الدليمي ومعه اثنان من رجاله بانتظار عملاء الموساد في مقهى قرب الشانزيليزيه.

بعد تأمين محيط المكان، وصل الإسرائيليون. كان “آتار” قد تعرف على الشرطيين المغربيين اللذين تسلما الحقيبة في سان-كلو.

أخبرهم الدليمي بأن اثنين من رجاله لم يصلا بعد، إذ جاءا من المغرب مروراً بجنيف لتجنب تتبعهما في فرنسا. ثم بدأ النقاش حول “عملية الليل”.

وضع الدليمي خريطة على الطاولة وأشار إلى موقع محدد على بعد ثلاثين كيلومتراً جنوب باريس — مكان احتجاز بن بركة.

دار الحديث حول أفضل طريقة للوصول إليه دون لفت الأنظار. وبعد نقاش، اتُفق على أن يأخذ أحد المغاربة تاكسي يقوده إلى هناك بينما يتبعهم الآخرون في سياراتهم.

لكن فجأة، دخل العميل الإسرائيلي رافي إيتان ليبلغهم أن الشرطة نصبت حواجز عند مداخل باريس في إطار التحقيق في اختطاف بن بركة.

فقرّروا التريث. وبعد ساعة تقريباً، عاد إيتان ليؤكد أن الطريق أصبح سالكاً.

خطة الدليمي

كشف الدليمي للإسرائيليين تفاصيل خطته: بن بركة كان محتجزاً لدى “فرنسيين” لا يعلمون أن مصيره سيكون الموت. أراد أن يوهمهم بأنه سيقوم فقط بترحيله إلى المغرب. وبعد مغادرتهم، سيبدأ “التحقيق الحقيقي”.

كان ينوي تنفيذ العملية ليلاً، ثم العودة إلى المغرب فوراً، بينما يبقى هو في باريس أياماً قليلة بشكل رسمي للتحضير لزيارة الملك الحسن الثاني المرتقبة في 11 نوفمبر.

بعد ذلك، طلب الدليمي من الإسرائيليين نصائح تقنية حول كيفية دفن الجثة. فأجابه أحدهم بنبرة عملية:

يجب أولاً إزالة الطبقة السطحية من التربة بحذر لإعادتها كما كانت لاحقاً، ويُفضّل أن يحفر شخصان بشكل متقاطع لتسريع العمل، بعمق 1.5 متر تقريباً.

ثم سألوا عن مكان ركن السيارة أثناء الحفر، واتفقوا على أن تبقى على بعد بضعة كيلومترات فقط لتسهيل العودة.

وأخيراً، حُدِّد مكان لقاء احتياطي في حال حدوث طارئ، عند مفترق طرق على بعد سبعة كيلومترات من موقع التنفيذ.

الليلة التي انتهى فيها كل شيء

عند منتصف الليل والنصف تقريباً، غادر الدليمي المقهى مع رجاله. وفي رسالة أرسلها فرع الموساد بباريس إلى تل أبيب في الساعة 1:00 صباحاً، كتب: “وفقاً لكل المؤشرات، ستنتهي القضية اليوم.”

لكن طوال صباح الأربعاء 3 نوفمبر لم ترد أي أخبار. وعند الساعة 13:15، وصل اتصال مقتضب إلى تل أبيب يفيد بأن “كل شيء سار على ما يرام”.

في المساء، التقى الدليمي مجدداً صدفة العميل الإسرائيلي “ميفوراح” في نفس المقهى. روى له ما حدث: وصلوا إلى المنزل الذي يُحتجز فيه “بريجيت” (الاسم الكودي لبن بركة) حوالي الساعة 1:30. أطلق سراح الحراس الفرنسيين بعد أن أخبرهم بأنه سيقوم بترحيله إلى المغرب.

ثم قال لبن بركة إنه سيستأنف التحقيق، لكن حين لم تعجبه الإجابات، اقتاده إلى الحمّام بحجة التعذيب، “لكن لم يكن ذلك حقيقياً”، كما قال مبتسماً.

ثم أضاف: “ملأنا البانيو بالماء، وأمسكناه من رأسه… وأبقيناه تحت الماء ثلاث دقائق.” هكذا غرق بن بركة في البانيو. بعدها التقط الدليمي صورة له “لإثبات أنه انتهى فعلاً”، على حد قوله مازحاً.

حديث عن السمّ

حين وصل رافي إيتان بعد قليل، بدأ الدليمي يحدثه عن الفروق بين “طريقة الحمّام” و“طريقة السمّ”.

قال إن التسميم فعّال فقط حين يتوفر سمّ فوري التأثير وعديم اللون والرائحة، لكن بما أن السم الذي وُعد به لم يكن كذلك، فقد اختار “الطريقة الأبسط”.

أجابه إيتان أن السم الفعّال وصل لتوّه إلى باريس في رحلة إلعال 44120 صباح ذلك اليوم. فقال الدليمي إنه يرغب في تجربة النوعين “في مناسبة أخرى للمقارنة”، فضحك إيتان ووعده بإرسال العينات إلى المغرب.

وفي نهاية اللقاء، أعاد الدليمي إلى الإسرائيليين السم غير المستخدم ومفاتيح الشقة التي خُزّنت فيها الأدوات وجوازات السفر المزورة التي لم يُحتج إليها. لكنه طلب الاحتفاظ بجوازه المزور “كتذكار”.

 

📘 رونين بيرغمان وستيفن سميث، «قضية بن بركة: نهاية الأسرار»، دار غراسيه، 576 صفحة، 28 يورو، يصدر في 29 أكتوبر 2025

Share This Article