يواصل وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، الدفع نحو تمرير مشروع القانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، دون إظهار إشارات على التجاوب مع الانتقادات الواسعة التي عبرت عنها الهيئات المهنية والمؤسسات الدستورية، وذلك قبيل عرضه للمناقشة داخل لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، المقرر عقدها يوم الاثنين 15 دجنبر 2025.
ووفق معطيات حصلت عليها “سفيركم”، فإن إصرار الوزير على الصيغة الحالية للنص، رغم الرفض المهني شبه الموحد، دفع التنظيمات النقابية إلى تشكيل تنسيق موسع يضم كلا من النقابة الوطنية للصحافة المغربية، الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، النقابة الوطنية للإعلام والصحافة CDT، الجامعة الوطنية للصحافة والإعلام والاتصال UMT، والكونفدرالية المغربية لناشري الصحف والإعلام الإلكتروني.
وحسب مصادر مطلعة لـ”سفيركم”، فقد أفضى هذا التنسيق إلى بلورة مقترحات تعديلية تعتبرها الإطارات المهنية “ضرورية” للحفاظ على استقلالية المجلس الوطني للصحافة وضمان احترام مبدأ التنظيم الذاتي للقطاع، مؤكدة أن هذه المقترحات ستجد سندا داخل مجلس المستشارين من خلال فريق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وفريق الاتحاد المغربي للشغل، ومجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الذين أبدوا استعدادهم للدفاع عنها خلال مسار المناقشة التشريعية.
واعتبرت النقابات أن تجربة المجلس الوطني للصحافة، أبرزت خلال ولايته الأولى والثانية مجموعة من النقائص التي تستدعي مراجعة هيكلته القانونية والتنظيمية سواء على مستوى طبيعته القانونية ومصادر تمويله أو على مستوى طريقة انتخاب أعضائه وآليات اشتغاله، وهو ما حفز التنسيق النقابي المهني على بلورة مقترحات تعديلية ذات أولوية تعيد للمجلس شرعيته الديمقراطية ومصداقيته المهنية وتكرس مبدأ التمثيلية العادلة والشفافية في التدبير.
في هذا السياق، سجل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي جملة من الملاحظات الجوهرية التي اعتبر أنها تستدعي نقاشا أعمق قبل المضي في اعتماد النص النهائي، متوقفا بشكل خاص عند بعض جوانب مشروع القانون التي ما زالت تثير نقاط استفهام تنظيمية ومؤسساتية، من قبيل طبيعة التمثيلية داخل المجلس، وغياب الانسجام بين آليات الانتخاب والانتداب، إضافة إلى التركيز اللافت على الجوانب التأديبية دون ضبط كاف للمفاهيم المؤطرة للعمل الصحفي.
كما شدد المجلس على أن نجاح أي إصلاح مرتبط بمدى قدرته على خلق منظومة متكاملة ومتوازنة تجمع بين حماية حرية الصحافة وتدعيم استقلاليتها، وبين توفير شروط مهنية عادلة للعاملين بالقطاع، مؤكدا أن مشروع القانون، بصيغته الحالية، يغفل جزءا مهما من التحولات التي تعرفها الصحافة على المستويين الاقتصادي والرقمي، مما يحد من قدرته على مواكبة التحديات الجديدة، داعيا في الوقت ذاته إلى مواصلة التشاور مع مختلف الفاعلين قصد بلورة تصور أكثر نضجا وواقعية، قادر على تمكين المجلس الوطني للصحافة من القيام بأدواره في التأطير والتنظيم الذاتي والوساطة بشكل فعال ومستدام.
وفي قراءته الشاملة لمشروع القانون، سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان عددا من الملاحظات المهيكلة التي اعتبرها ضرورية لضمان فعالية الإصلاح واستدامته، مؤكدا أن أي إعادة تنظيم للمجلس الوطني للصحافة ينبغي أن تبنى على مقاربة توازن بين الاستقلالية المهنية والضمانات الديمقراطية، مع تفادي أي تضخم تشريعي قد يحد من دينامية التنظيم الذاتي أو يضعف قدرته على مواكبة التحولات المتسارعة في المجال الإعلامي، كما اعتبر أن المشروع، بصيغته الحالية، لا يستجيب كليا لانتظارات الجسم الصحافي في ما يتعلق بتوسيع فضاءات المشاركة، وتعزيز منطق التمثيل العادل، وتجويد آليات المساءلة المهنية.
وأكد المجلس أن الإصلاح الحقيقي يمر عبر مقاربة مندمجة تشمل مراجعة شاملة لمنظومة قوانين الصحافة والنشر، بالنظر إلى ترابط بنيتها المعيارية وتداخل صلاحياتها، داعيا إلى إرساء نموذج مؤسساتي أكثر انفتاحا على المجتمع المدني، وأكثر قدرة على ضمان توازن السلط داخل المجلس، مع تقوية دوره في ترسيخ حرية التعبير وحماية الصحافيين والمقاولات الإعلامية، معتبرا أن هذه العناصر تمثل الأساس الضروري لبناء مجلس وطني للصحافة أكثر مهنية وشرعية، قادر على الاضطلاع بوظائفه في التنظيم الذاتي، والتحكيم، وتأطير الممارسة الصحافية وفق أعلى المعايير.
وتماهى البيان الذي وقعه المئات من الصحافيات والصحافيين، المطالب بحل المجلس الوطني للصحافة، مع المسار المتصاعد للقلق المهني الذي كشفته، تباعا، آراء المؤسسات الدستورية ومذكرات الهيئات الحقوقية، في مواجهة اختلالات بنيوية مست الأسس التي يقوم عليها التنظيم الذاتي، لتشكل تتويجا لسياق تراكمي بلغ ذروته مع واقعة التسجيل المسرب وما فضحه من ارتباك مؤسسي على نحو يضعف الثقة في قدرة المؤسسة على صون استقلاليتها والاضطلاع بمهامها الأصلية.
كما طالب الصحافيون المغاربة بالخارج بسحب مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة وإعادة صياغته داخل حوار وطني موسع تشارك فيه الهيئات المهنية، لتنضاف عريضتهم إلى موجة الاعتراضات المتصاعدة التي تكشف عمق الشرخ الذي بات يفصل الجسم الصحافي عن المقاربة الحكومية في تدبير الملف.
حمزة غطوس