قراءة أكاديمية تكشف كيف أعادت الدبلوماسية المغربية رسم مواقف إفريقيا من الصحراء

marocain
5 Min Read

كشفت الأستاذة الباحثة بكلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة ابن طفيل، أمال بنبراهيم، عن ملامح تحول عميق عرفته القارة الإفريقية في تعاطيها مع ملف الصحراء المغربية، معتبرة أنه ليس مجرد “تغير في الخطاب” بل هو إعادة تموضع استراتيجي ينسجم مع واقع جيوسياسي جديد، ومع مضامين قرار مجلس الأمن 2797 الذي وصفته بـ“المحطة الفارقة” في مسار القضية، والذي اعتبرت أنه انعكاس لتحولات المواقف الدولية بما فيها القارة الإفريقية التي شهدت خلال العقد الأخير مراجعة عميقة لمرجعياتها الدبلوماسية، وانتقلت من منطق الانحياز الإيديولوجي الذي طبع فترة ما بعد الاستعمار، إلى منطق الواقعية البراغماتية.

وأوضحت بنبراهيم، في مداخلتها خلال الندوة الوطنية التي احتضنتها كلية العلوم القانونية والسياسية حول قضية الصحراء المغربية من الإجماع الوطني إلى الاعتراف الدولي، أن سنة 2017، تاريخ عودة المغرب للحاضنة الإفريقية، شكلت نقطة تحول جذري. فمنذ تلك اللحظة، تخلى المغرب عن منطق “الدفاع من الخارج” واعتمد نهجا أكثر فاعلية يرتكز على الدبلوماسية الاقتصادية.

وحسب الأستاذة الباحثة فإن حضور المغرب داخل القارة اتخذ بعدين متكاملين، أولا بعد اقتصادي وتنموي تجسد في مشاريع استراتيجية مثل أنبوب الغاز نيجيريا المغرب، ومنصات إنتاج الأسمدة التي ساهمت في تعزيز الأمن الغذائي في عدد من البلدان، إلى جانب التوسع المتواصل للأبناك وشركات الاتصالات المغربية داخل غرب وشرق إفريقيا. وثانيا بعد مؤسساتي وقانوني مكن من إعادة ضبط التوازنات داخل أجهزة الاتحاد وتقليص مساحة المناورات السياسية التي كانت تعرقل معالجة الملف بشكل موضوعي.

واستشهدت هنا بحادث تقرير مجلس السلم والأمن لسنة 2018، الذي انتهى برأي قانوني يعتبر أن ملف الصحراء المغربية هو ملف أممي وليس ضمن صلاحيات الاتحاد الإفريقي، لتتبعها مقررات لاحقة مثل القرار 984 لسنة 2021 والتي عززت هذا الاتجاه.

وأشارت الباحثة إلى أن هذه الدينامية المغربية تزامنت مع تحولات أعمق داخل القارة نفسها. ففي ظل التنافس الدولي المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين وروسيا ودول الخليج وتركيا والهند، باتت الدول الإفريقية أكثر ميلا إلى مقاربات براغماتية تعطي الأولوية للأمن الغذائي والطاقة والبنيات التحتية وجذب الاستثمارات بدل الارتهان لخطابات رمزية تجاوزها الزمن.

وقدمت بنبراهيم أمثلة واضحة على ذلك، أبرزها نيجيريا التي انتقلت من موقع داعم للطرح الانفصالي إلى مقاربة تقوم على المصالح الاستراتيجية المشتركة، خاصة بعد المشاريع الهيكلية الكبرى التي ربطت اقتصاد البلدين.

كما استحضرت حالة كينيا التي أعادت تقييم مواقفها في سياق سياسي داخلي جديد، مع صعود الرئيس روتو والتحديات المرتبطة بالأمن الغذائي، إضافة إلى تأثرها بالمواقف الدولية التي صارت تنظر إلى مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الأكثر جدية وواقعية.

وشددت بنبراهيم على أن التحولات الاقتصادية واحتدام التنافس الدولي في إفريقيا أفرزت واقعا جديدا، وذلك لكون الدول الإفريقية لم تعد تقيس مواقفها بميزان “التحرر الرمزي”، بل بميزان الكلفة والعائد، وأن دعم قوى كبرى، مثل الولايات المتحدة، إسبانيا، فرنسا وبريطانيا، لمبادرة الحكم الذاتي، جعل استمرار التموقع الإيديولوجي خيارا مكلفا وغير منسجم مع السياق الدولي العام.

وتطرقت المتحدثة إلى جنوب إفريقيا، التي قالت أنها ظلت لعقود تستحضر سردية الشرعية الثورية في التعاطي مع نزاعات القارة، لتجد نفسها اليوم في عزلة سياسية متزايدة، حيث ربطت هذا الوضع بمزيج من الأزمات الداخلية التي تعصف بالبلاد، من تباطؤ النمو إلى تدهور البنيات التحتية وارتفاع معدلات البطالة، إضافة إلى فقدان حزب المؤتمر الوطني الإفريقي هيمنته التاريخية لأول مرة منذ نهاية الأبارتايد.

واعتبرت أن هذا الارتباك الداخلي انعكس على سياستها الخارجية، فتعزز خطاب رمزي متصلب يفتقد إلى سند إقليمي ودولي، في مقابل صعود أصوات سياسية جديدة أكثر انفتاحا على المقاربة المغربية، وعلى رأسها حزب رمح الأمة بقيادة جاكوب زوما الذي عبر صراحة عن دعمه لمبادرة الحكم الذاتي خلال زيارته الأخيرة للرباط.

ورغم الانعطافة البراغماتية التي تشهدها القارة، أكدت أمال بنبراهيم أن المغرب لا يزال يتحرك داخل بيئة إفريقية معقدة ومفتوحة على تناقضات حادة، معتبرة أن التقدم المحرز لم ينه تماما حضور جيوب الممانعة التي ما زالت تعتمد خطابا إيديولوجيا متجاوزا، وتجد لنفسها موطئ قدم داخل بعض الدول أو داخل أجهزة الاتحاد الإفريقي التي تحاول من حين لآخر إعادة تدوير مقاربات لم تعد تواكب التحولات الدولية.

ويزداد هذا المشهد تشابكا، حسب المتحدثة، بفعل المنافسة الدولية المتسارعة على القارة، حيث تسعى قوى صاعدة وأخرى تقليدية إلى توظيف الملفات الإقليمية كأوراق نفوذ، ما يجعل مصالح المغرب عرضة أحيانا لمحاولات الالتفاف أو الضغط غير المباشر، لافتة الانتباه إلى أن هشاشة الأوضاع الاقتصادية والسياسية في عدد من البلدان الإفريقية التي تدفعها إلى إنتاج مواقف غير مستقرة قابلة للتغيير وفق حسابات ظرفية.

حمزة غطوس

Share This Article